أنباء غير سارة عن النافعة..”ريحتها طالعة”

لطالما عرفت بأنها واحدة من مغارات “علي بابا” الكثيرة في 
 لبنان
، أو أحد أشهر أبواب الهدر والسمسرة في البلاد، وعنوانا فاقعا للفساد المحمي من الطبقة السياسية المتحاصصة في ما بينها جبنتها. هي “النافعة”، أو هيئة إدارة السير والآليات والمركبات، واحدة من أكثر المؤسسات الرسمية في لبنان حساسية، بفعل دورها ووظيفتها في تنظيم آليات قطاع النقل وقوننتها، ومنح إجازات السوق وتجديدها، بالإضافة إلى عائداتها ومساهماتها الكبرى في رفد المالية العامة بمبالغ طائلة من رسوم الميكانيك والتسجيل ومنح الإجازات وغيرها.


الفساد المستشري ذهب بمعظم مديريها وموظفيها إلى السجن، وبات اللبنانيون عالقين بين حاجتهم الملحة إلى بعض خدمات “النافعة”، واستمرار إقفالها، فيما خسرت خزائن الدولة مئات المليارات من الليرات يوميا، علما أنها تحتاج إلى كل فلس إضافي للقيام بواجباتها.

لم تسمح نتائج التحقيقات القضائية بعودة الموظفين إلى النافعة، فارتأى البعض أن يرمي كرة المسؤولية على “العسكر” في وزارة الداخلية، وتسليمهم مهمات مدنية لم يتدربوا عليها، وليست من صلاحياتهم قانونا، إذ لا يجوز إقحامهم في أنفاق موبوءة بالفساد والإثراء غير المشروع ومخالفة القوانين.

وعلى الرغم من الحملات “المشبوهة” والمعروفة الأهداف والمرامي، نجحوا في تسيير المرفق بكل شفافية لتأمين الحد الأدنى من خدماته للمواطنين، فارتفعت مداخيل النافعة إلى الخزينة بفضلهم (حولت إلى حساب الهيئة في البنك المركزي) نحو 12.6 مليون دولار سنة 2023، و62.4 مليون دولار منذ بداية 2024 إلى اليوم، أما مستحقات شركة “انكريبت” التي تؤمن البطاقات البلاستيكية فتقدر بنحو 35 مليون دولار.

لكن العراقيل لا تزال تحاصر المؤسسة وتمنعها من تأدية واجباتها كاملة، فيما مصدر العرقلة معروف وهو “من الدولة وفيها” ومن أهل السلطة الممسكين بعنق النافعة كليا، مانعين عنها الحلول الجذرية.

يحاول العسكريون النجاح خارج اختصاصهم ودورهم، لكنهم تلقفوا مهمة إدارة “ريحتها طالعة”، ومؤذية جدا للمؤسسة الأمنية، في ما لو ضعف أحد العسكريين، أو تلوث بالفساد المستشري فيها. لذا من الملح جدا إخراجهم من المهمات المدنية، وإعادتهم إلى مهماتهم الأمنية التي يجيدونها، وإبعاد آخر المؤسسات التي لم يسيطر عليها الفساد بعد، عن خطر الوقوع في المحظور، أو اعتياد ممارسة مهمات تفقدهم الهيبة والبأس واحترام القوانين.

ما هو واقع “النافعة” حاليا؟ ولماذا لم يحسم ملف شركة “انكريبت” بعد؟
بعد سلسلة الفضائح والتجاوزات التي طبعت أعمال “النافعة” وما تبعها من توقيفات لمتهمين بالفساد والإثراء غير المشروع، إضافة إلى عدد من الموظفين وسماسرة ومعقبي معاملات لضلوعهم في كل ما كان يحصل من تجاوز للقوانين والأنظمة، حزمت وزارة الداخلية أمرها بإعادة تسيير عمل هيئة إدارة السير والآليات والمركبات – مصلحة تسجيل السيارات والآليات في الدكوانة والأقسام التابعة لها. وقد أعيد افتتاح مراكز عاليه وجونية وكل مراكز مصلحة تسجيل السيارات في لبنان، وقريبا الأوزاعي، بعديد يمثل نحو 60% مما كان عام 2019، ويوازي إنتاجيتهم إذا لم نقل أكثر.

وإن كان قرار عمل القوى الأمنية في هيئة إدارة السير موقتا، إلا أن هذه القوى استطاعت أن تحقق إنجازات على الرغم من أن طبيعة عملها في الأساس لا علاقة لها بواقع هذه الإدارة. ومع ذلك لا تزال “النافعة” تعاني مشاكل أبرزها التوقف عن إصدار اللاصقات الإلكترونية ودفاتر سوق ودفاتر السيارات واللوحات الذكية وغيرها من اللوازم، واستبدالها باستمارات ورقية موقتة، إذ إن الشركة المشغلة “انكريبت” التي تؤمن البطاقات البلاستيكية لم تحصل على مستحقاتها منذ أكثر من ثلاث سنوات. إضافة إلى ذلك، تبين أن عقد الشركة ينتهي في 30/06/2023، بحسب الرأي الاستشاري ل#ديوان المحاسبة، من دون احتساب المهل التي نتجت من فترة كورونا.

أما الرأي القانوني الصادر عن هيئة التشريع والاستشارات، فاعتبر أن العقد سار لغاية 25/02/2025، كما طلب ديوان المحاسبة من هيئة إدارة السير إجراء دفتر شروط لإجراء مناقصة شفافة تلزم بها إحدى الشركات لتحل محل “انكريبت”، من أجل توريد كل مستلزمات “النافعة” من بطاقات بلاستيكية في مرحلة ما بعد شباط 2025. لكن هيئة إدارة السير لم تعد الدفتر حتى اليوم ولم تجتمع مع “انكريبت” للاتفاق على كيفية تأمين هذه المستلزمات، على الرغم من مرور نحو سنة على قرار الديوان. وكانت “انكريبت” أرسلت فواتير لهيئة إدارة السير، لكن الهيئة لم تعترف بها، ولم ترسلها حتى إلى أي هيئة رقابية كديوان المحاسبة مثلا”.

لمَ هذا التأخير؟ ومن المسؤول؟ مصادر متابعة تؤكد أن مسؤولية التأخير تقع على عاتق هيئة إدارة السير التي تتمتع باستقلال مالي وإداري، ولا تتحمل وزارة الداخلية أي مسؤولية كما يشاع، لكونها سلطة الوصاية فقط، وتاليا ليست هي من يدير “النافعة”.

“النهار” حاولت مرارا، ومن دون جدوى، التواصل مع محافظ بلدية بيروت #مروان عبود لكونه رئيس هيئة إدارة السير.
وتتحدث المصادر عن الواقع الذي تعيشه “النافعة”، فتلفت إلى غياب موازنة سنوية منذ عام 2019، فيما يجري حاليا إنجاز موازنة لهذه السنة، تمهيدا لإرسالها إلى وزارتي المالية والداخلية للتصديق عليها. ثمة العديد من المستحقات المتأخرة لم تدفعها هيئة إدارة السير، كإيجار المباني، وفواتير شركتي كهرباء  لبنان ومياه لبنان ومستحقات شركة التنظيف، علما أن كل هذه المستحقات القديمة لا علاقة لها بالموازنة الجديدة، ويجب أن تدفع لأصحابها من خارج الموازنة. ويدرس ديوان المحاسبة طريقة سداد هذه المستحقات القديمة، واستكمال مشروع إصدار دفاتر السوق من خلال إعداد نظام إلكتروني متكامل وتدريب الكادر التقني، علما أن كل أعمال الصيانة وتأمين مستلزمات والمازوت في “النافعة” تؤمن عبر هبات من القطاع الخاص.

حتى اليوم لم تنفذ هيئة إدارة السير توصيات ديوان المحاسبة الصادرة منذ نحو سنة لجهة إجراء دفتر شروط ومناقصة جديدة أو الاتفاق مع شركة جديدة لتوريد الكميات المطلوبة من بطاقات دفاتر السوق ولوحات السيارات، ولم تحاول حتى التواصل مع شركة “انكريبت” لجدولة مستحقاتها أو تمديد العقد لسنة 2025، على الرغم من أن وزير الداخلية بسام مولوي قد طلب من هيئة السير التزام توصيات ديوان المحاسبة. هذا التقصير يقع على عاتق الهيئة ويجب أن تحاسب عليه من الرأي العام، وفق ما تؤكد المصادر عينها.

وإذ تشير إلى أن كل الخدمات من لاصقات إلكترونية ولوحات سيارات ودفاتر السوق والسيارات يسدد رسومها المواطن ويحصل مقابلها على إيصال، على أن يتسلم البطاقة فور توافرها في “النافعة”- علما أن ثمة 300 ألف دفتر سوق ودفتر سيارة تم إنجازها ولم تصدر ولم يسلم أصحابها البطاقات البلاستيكية- توضح المصادر أن “لا معاملات غير منجزة، بل هناك معاملات في السوق (مكسورة) عن العامين اللذين تراجع فيهما العمل، لافتة الى أن المنصة متاحة أيام الثلثاء والأربعاء والخميس للمواطنين بمعدل 1000 معاملة يوميا، فيما الإثنين والجمعة كانا مخصصين لجمعية مستوردي السيارات.

يذكر أن ديوان المحاسبة كان قد سمح لهيئة إدارة السير استيفاء بدل جديد من المواطن عن الخدمات بما يتناسب مع قيمة العملة اليوم، وذلك بتصديق من وزارة المالية. وهذه الأموال تذهب إلى حساب الهيئة الخاص في مصرف لبنان، لكن صرفها يتم بموجب موازنة، وبعد التفاوض مع شركة “انكريبت” لتسديد بعض مستحقاتها.

ليس خافيا أن أزمة “النافعة” ترجمت أيضا بالتوقف القسري عن منح دفاتر السوق لأكثر من عامين ونصف عام، بما أعاق حصول من بلغوا الـ18 عاما على رخصة سوق. وقد صار نحو 240 ألف شاب وصبية في سن الـ 18 و19 و20 سنة يقودون سياراتهم من دون دفاتر سوق. وتؤكد المصادر أن مصلحة تسجيل السيارات عملت على تنظيم القطاع من خلال الاتفاق مع أصحاب مكاتب تعليم السوق المستوفية الشروط، وعددها نحو 190 مكتبا، على تعليم الشباب القيادة. وهم في صدد الخضوع لدورات تأهيلية للتدرب على آلية تطبيق قانون السير وامتحان السوق الجديدين، مع تعيين اللجان الفاحصة ولجان فحص السوق، تمهيدا للإعلان عن بدء قبول الطلبات لتطبيق برنامج الامتحانات.

النهار- سلوى بعلبكي

Exit mobile version