في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية في لبنان، تشتد حالة الغضب الشعبي نتيجة التضارب الفاضح بين التصريحات الرسمية ومعاناة المواطنين اليومية. اذ يواصل وزير الاقتصاد إطلاق وعود وهمية وكلام لا يجد طريقه الى التنفيذ، في حين يصرّ رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية على أن السلع متوافرة والأسعار ثابتة. لكن الواقع يفضح هذه الادعاءات، فالأسعار تتضخم بشكل جنوني، والعديد من الأصناف تختفي من الأسواق، فيما يستغل التجار الأزمة للاحتكار والتلاعب بالأسعار.
في هذا المشهد الحافل بالتناقضات، يجد المواطن اللبناني نفسه محاصرا، ويتساءل هل يستسلم لهذا الواقع المرير؟ هل يموت جوعا في ظل العقبات التي تستفحل مع كل يوم؟ أم يواجه هذا العبث بالبحث عن حلول بديلة، في وقت يبدو فيه أن من يُفترض بهم حماية حقوقه يتجاهلون صرخاته؟
يذكر ان نقيب أصحاب الشركات المستوردة للمواد الغذائية هاني بحصلي أكد لـ “الديار” أنه “لا توجد مشكلة حتى الآن في الامداد، ولا خوف من انقطاع المواد الغذائية المستوردة على الأقل لشهرين أو ثلاثة”، كاشفا “عن سلسلة اجتماعات تعقد في أكثر من اتجاه لوضع الاستراتيجيات اللازمة، لتأمين الصمود لأطول وقت ممكن في حال توسّعت الحرب”.
الاحتكار التجاري يتعاظم!
يوضح مؤسس شركة “كريم للتموين” في منطقة طريق الجديدة السيد عبد الهادي الحلبي لـ “الديار”: “توجد مجموعة مستأثرة من شركات المواد الغذائية في لبنان، وأعني عددا محددا من المتعهدين المتحكمين في السوق، الذين نتعاون معهم بناءً على منطقتنا. في بيروت نتعامل مع 5 شركات معروفة، ولكننا وصلنا مؤخرا الى طريق مسدود، بعد ان بدأت هذه المنشآت تتجنب او تتهرب من تلبية الطلبات، خصوصا عندما نطلب اصنافا جاهزة للأكل، مبررة ذلك بتأخر وصول الحاويات، وان الأنواع المطلوبة غير متوافرة حاليا. وتستخدم هذه الحيلة لبيع سلع غير مرغوبة “مش ماشية” او ذات أرباح اعلى مثل التونة بالماء”.
وأضاف “كنت اشتري صندوق التونة العادي بوزن 85 غراما بسعر يتراوح بين 55 الى 60 دولارا زائد الضريبة على القيمة المضافة، مع الاخذ بعين الاعتبار اسم الشركة وجودة السلعة. لكن تفاجأت مؤخرا بأن ثمن الصندوق ارتفع الى 70 دولارا ويباع في السوق سوداء. وتشمل هذه الزيادة أيضا أنواعا أخرى مثل السردين والفول ، وانا حاليا التزم الصمت بشأن أسماء هذه الشركات، اذ أوجه حديثي كتحذير الى الجماعة التي اتعامل معها، حيث لدي شخص في كل شركة يطلعني على حقيقة توافر الأصناف أو عدمه”.
إشارة الى ان الحلبي كان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي “فيديو” تحدث فيه عن تمنع الموردين من تسليمه البضائع التي يحتاج اليها، وبعد التحذير تجاوبت معه الشركات خوفا من الملاحقة القانونية والفضيحة.
واوضح ان “جميع الأصناف متوافرة، ولكن هناك تجار يستوردون بضائع هجينة وغير معروفة العلامة التجارية، ويستغلون الظروف لتسويقها. وقد يكون الوضع مختلفا في الشمال وصيدا والمناطق اللبنانية الأخرى، ولكن لاحظت شحا مفاجئا في المخزون ضمن منطقة طريق الجديدة. مع العلم ان هذه المؤسسات لا تستورد شحنات قليلة بل بالعشرات، فمثلا ابيع شهريا حوالى 100 صندوق من التونة، ويعتبر المتعهد ان تسليم هذه الكمية لأي تاجر غير مناسب في الوقت الراهن، ويسعى الى الاستفادة من الأوضاع الراهنة في حال تأزمت الظروف. وهذا يختلف عن المحل الصغير الذي يشتري 5 صناديق لتعبئة الرفوف وحركته الشرائية محدودة”.
وعند سؤاله إذا كان قد لمَس ارتفاعا في الأسعار كتاجر وصاحب محل؟ يجيب “نعم هناك ارتفاعات ملحوظة في الأسعار، وبشكل خاص في التونة والسردين والمعلبات مثل الفول والحمص بالطحينة والحمص السادة، بالإضافة الى الاجبان ولحوم المرتديلا”. واكد ان “السلع الأساسية تشهد زيادات عالية في الأسعار وبشكل واضح”.
فهد ينفي هذه الاقاويل… فما هو الصحيح اذن؟
من جهته، استغرب نقيب أصحاب “السوبرماركات” نبيل فهد الكلام على نقص في المواد الغذائية او حتى رفع الأسعار. وقال لـ “الديار”: ” يوجد باعة بالعشرات في منطقة طريق الجديدة، وليس هناك انقطاع لأي صنف وربما المحل المقصود ليس لديه بضاعة، ولكنها مؤمنة في المتاجر المحيطة. بالإضافة الى ذلك، من المحتمل ان تكون هناك منافسة تهدف الى زيادة البيع، لذلك اندهش من قول بعضهم بوجود احتكار في السوق، لان جميع الأنواع متوافرة بكثرة حتى انها حاضرة بأعداد هائلة في معظم المتاجر”.
ماذا عن تضخم الأسعار؟ اوضح “لا يزال ثمن التونة والسردين مستقرا ولم نرَ أي تبديل، وانا أؤكد على هذا الامر، لان لوائح الأسعار من الموردين لم تتغير، ولكن في حال نقصت البضاعة في نقطة بيع معينة، فهذا لا يعني ان هناك انقطاعا في المواد، ولم نلاحظ فقدان أي صنف. اما الرفوف الفارغة فقد تكون قد نُفِدت منها البضائع، ولم يتمكن العاملون من إعادة ملئها”.
21,850 سوبرماركت مخالفة!
وتابع “تمثل نقابتنا حوالى 150 نقطة بيع فقط من أصل 22 ألفا على صعيد لبنان، لذلك نحن لا نمثل نقاط البيع بالمفرق سوى تلك الموجودة في محال “السوبرماركات الكبرى”. لذلك عندما يشعر المستهلك بوجود أي خطأ، يمكنه التوجه الى المحلات الأخرى في المناطق المجاورة لا سيما في بيروت والشراء منها، إذ لا شيء يمنع ان تشكل هذه المزاحمة ضغطا على المتاجر التي تعمل على رفع الأسعار”.
وختم “أظهر الإحصاء المركزي ان شهري أيار وحزيران شهدا تراجعا بحدود 2% أي تضخما سلبيا بنسبة 2%، والذي يعني انخفاضا في الاسعار بمعدل 2% في المواد الغذائية”.
وفي هذا الإطار، بيّن التقرير الأخير الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي “أن مؤشر أسعار المستهلك بالدولار ارتفع بنسبة 32% بين أيلول 2023 وحزيران 2024، وقد لوحظ تراجع في أسعار السلع والخدمات المتفرقة بنسبة 2.4% في حزيران 2024 عن الشهر السابق. وهبطت في شهر حزيران كل أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية بنسبة 0.2%، وأسعار المشروبات الروحية والتبغ والتنباك بنسبة 0.3%، وسجلت أسعار الماء والغاز والمحروقات الأخرى هبوطا طفيفا بنسبة 0.03٪ في الشهر نفسه”.