في نهاية المؤتمر الديمقراطي الذي رشّح كمالا هاريس للمنافسة في وجه دونالد ترامب، تعهّدت هاريس بالحرص على أن “يكون لدى إسرائيل القدرة على الدفاع عن نفسها”، معتبرة أن حركة حماس تسبّبت في “أعمال عنف لا توصف” خلال هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وهو ما استدعى الردّ الإسرائيلي” بحسب رأيها. وأضافت في هذا السياق “الرئيس بايدن وأنا نعمل على إنهاء هذه الحرب حتى تكون إسرائيل آمنة، ويتمّ إطلاق سراح الرهائن وتنتهي المعاناة في غزة، ويتمكّن الشعب الفلسطيني من الحصول على حقّه في الكرامة والأمن والحرية وتقرير المصير”.
وفي دلالة واضحة حول توجّهات الحزب الديمقراطي الذي يعاني من انقسام واضح حول غزة، سمح منظّمو المؤتمر لعائلات المختطفين من الإسرائيليين – الأميركيين بالتحدّث في مؤتمر الحزب، بينما تمّ رفض طلب قدّمته مجموعة من المندوبين المؤيدين للفلسطينيين، وحُرموا من فرصة إبداء رأيهم في المؤتمر، ما دفعهم إلى تنظيم اعتصام في الخارج.
لا شكّ، أنّ أجواء المؤتمر الديمقراطي، والتظاهرات التي رافقته والخطابات التي ألقيت فيه، تشي بالمسار الذي سيتبعه الحزب في الشرق الأوسط في حال استطاع إيصال كامالا هاريس إلى البيت الأبيض، بالرغم من أن معرفة ما ستكون عليه نظرة إدارتها للسياسة في الشرق الأوسط ما زالت مبكرة، وبالتالي لا يمكن معرفتها بشكل دقيق إلا بعد تشكيل فريقها.
وبكل الأحوال، يمكن التكهّن بالخطوط العريضة لما ستكون عليه تلك السياسة انطلاقاً من التصوّر بأن هاريس سوف تسير على خطى إدارة جو بايدن في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، وذلك عبر ثلاثة عناوين رئيسية تعكس مسار الإدارة الديمقراطية الحالية وهي: أولوية مسار التطبيع، الابتعاد عن السياسة التقليدية للحزب حول طرح “خطة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الشرق الأوسط، عدم العمل بشكل جدّي للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني.
1- أولوية مسار التطبيع
من المتوقّع أن تستمر إدارة هاريس في إعطاء الأولوية لملف التطبيع الذي تمّ الاستثمار فيه بشكل جدّي وحقيقي خلال السنوات التي أمضاها جو بايدن في البيت الأبيض، والذي استمر متواصلاً حتى خلال فترة حرب الإبادة التي تشنّها “إسرائيل” على الفلسطينيين في قطاع غزة.
وإذا نظرنا إلى الزيارات المكوكية التي قام بها أعضاء من فريق بايدن إلى الشرق الأوسط، نجد أن الجهد انحصر – تقريباً – في محاولات تقريب وجهات النظر بين السعوديين والإسرائيليين، والتفاوض مع المملكة العربية السعودية على شروطها لعقد التطبيع مع “إسرائيل” والتي أعربت كل من الولايات المتحدة و”إسرائيل” أنها منفتحة عليها، باستثناء إعطاء مزيد من الحقوق للفلسطينيين التي رفضها الإسرائيليون بشكل قاطع.
أما الملف الآخر الذي استثمرت فيه الإدارة الأميركية قدراتها وجهودها، فهو مرتبط بشكل كبير أيضاً بإدماج “إسرائيل” في المنطقة، وذلك عبر مشروعين اقتصاديين:
– الأول هو مبادرة “I2U2” والتي تُعرف أيضاً باسم “الرباعية في غرب آسيا” والتي تتألف من أربع دول: الهند، والإمارات العربية المتحدة، و”إسرائيل”، والولايات المتحدة.
– والثاني هو الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والذي يربط مرفأ حيفا بالموانئ الأوروبية. ولقد تمّ التوقيع على مذكرة التفاهم من قبل السعودية والاتحاد الأوروبي والهند والإمارات العربية المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي في أيلول/سبتمبر 2023.
2- خطة السلام المفقودة
منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، طرحت الإدارات الأميركية خططاً للسلام في الشرق الأوسط تتمحور حول “حلّ الدولتين”، بالرغم من عدم ممارستها أي ضغوط حقيقية على الإسرائيليين للالتزام بما تعهّدوا به في أوسلو، أو للتقدّم في مسار السلام “المتصوّر” أميركياً. في المقابل، استمرت “إسرائيل” في قضم الأراضي الفلسطينية عبر الاستيطان والضغط على السلطة الفلسطينية، وارتكاب المجازر والحروب على غزة.
مع ترامب، حصل تحوّل في النظرة الأميركية للسلام، حيث طرح مشروع “صفقة القرن” التي تحوّل الحق الفلسطيني الى مجرد حق اقتصادي، وتدعو إلى تهجير الفلسطينيين إلى سيناء كوطن بديل. ومع مجيء بايدن، لم يتم حتى مجرد طرح أي خطة للسلام في الشرق الأوسط، ولم تنظر الإدارة الأميركية إلى الموضوع الفلسطيني كأمر يحتاج مجرد طرح خطة – ولو على الورق.
بعد حرب غزة، والانقسام داخل الحزب الديمقراطي وضغوط المجموعات المؤيدة لغزة داخل الحزب الديمقراطي، لن تستطيع هاريس أن تغض النظر عن هذا الأمر. لكن المتوقّع أنها سوف تحاول أن تمسك العصا من الوسط – شكلياً- كما هو حال خطابها في المؤتمر الديمقراطي، وستلتزم بالسياسات الأميركية التقليدية في دعم “إسرائيل” بلا قيد ولا شرط كما فعل بايدن.
3- الملف النووي الإيراني
كما بايدن، ستستمر هاريس في الحديث عن “ضرورة” العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، بهدف “الحد من نفوذها في المنطقة ومنعها من امتلاك سلاح نووي” كما تزعم الإدارة الأميركية الحالية. أما في الإطار العملي، فلا يمكن تصوّر قدرة هاريس على العودة الفعلية إلى الاتفاق في ظل تزايد العداء لإيران لدى أعضاء الكونغرس من الحزبين، خاصة بعد حرب غزة.
وعليه، المتوقّع أن تستمر إدارة هاريس بالسياسة نفسها التي انتهجها جو بايدن، أي بإعطاء الأولوية لأمن “إسرائيل” ومحاولة إدماجها في المنطقة، وباستخدام سياسة التواصل مع الإيرانيين من دون إبداء مرونة للتقدّم الفعلي في المفاوضات حول الاتفاق النووي، إلا إذا حصلت تطورات دراماتيكية بعد حرب غزة، فرضت تغييراً جذرياً في المقاربة الأميركية لمصالحهم في المنطقة.
ليلى نقولا – الميادين