ظاهرة الدولارات داخل منازل اللبنانيين…انتبهوا من هذا الأمر
في ظل هذه الظروف، ومع انهيار الثقة بالبنوك، تحوّل تخزين الأموال في المنازل إلى ظاهرة شائعة. اللبنانيون باتوا يعتبرون منازلهم خزائن أكثر أمانًا مقارنةً بالمصارف، التي لم تعد توفر الأمان المادي والنفسي لمودعيها. ومع تراجع قيمة الليرة اللبنانية وتفاقم الأزمة الاقتصادية، لم يعد تخزين الأموال في المنازل يقتصر على فئة معينة، بل أصبح جزءًا من استراتيجية البقاء اليومية لمعظم المواطنين. إلا أن هذا الحل المؤقت يحمل في طياته تحديات ومخاطر عديدة، منها الانخفاض المحتمل لقيمة الدولار عالميًا، بالإضافة إلى المخاطر الأمنية التي تهدد هذه الأموال المخزنة في المنازل.
ومع تصاعد التوترات الأمنية والجيوسياسية التي تؤثر على العالم بأسره، يجد المستثمرون أنفسهم في حيرة حول كيفية حماية الأموال غير المستثمرة، خصوصًا في بلادنا التي أصبحت تفتقد للرفاهية التي كانت توفرها الفوائد سابقًا لآلاف المواطنين. ومع ذلك، يبدو أن مؤشرات الدولار تقلب المعادلة رأسًا على عقب، خاصة مع انخفاض سعره عالميًا. فقد أكد رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، أن البنك سيقدم تخفيضات متعددة في أسعار الفائدة هذا العام، مشيرًا إلى أن الوقت قد حان لتعديل السياسات.
هذه السياسات التي تلقفها الدولار بانخفاض مباشر إلى مستويات تُعتبر الأدنى منذ تموز 2023، أيضا تلقفها المستثمرون، وأصحاب الدولار الكاش، وهذا الأمر، يفتح الباب على مصراعيه لناحية خزائن اللبنانيين الممتلئة بالأموال.. فما هو مصير هذه الاموال إذا تحرك الدولار هبوطا؟
فعليًا، تُقدّر الأموال المخزّنة في المنازل والخزنات اللبنانية بعيدًا عن المصارف أو أي مؤسسة أخرى بما يتراوح بين 30 و50 مليار دولار. تُعتبر هذه الأموال المحرك الوحيد للاقتصاد حاليًا، خاصة أن السوق اللبناني يعتمد منذ نحو أربع سنوات على الكاش فقط. ورغم النتائج السلبية المحتملة لهذا الوضع، يبقى الاتجاه العاقل والصحيح هو استثمار هذه الأموال، حتى لو لم يرغب الشخص في وضعها داخل المصارف.
من هنا، يشير المستشار المالي والمصرفي غسان أبو عضل، خلال اتصال مع “لبنان24″، إلى أن قرابة 50% من حجم الاقتصاد يتم عن طريق الكاش، وهو نتيجة لانعدام الثقة بالقطاع المالي الذي تدهور على مر السنوات. وأوضح أبو عضل أن أي إجراءات ستتخذ للتخفيف من استعمال الكاش ستكون جزئية وغير شاملة.
وعن تخزين الدولار في المنازل، يوضح أبو عضل أن التخزين ليس بالضرورة أن يضر بالاقتصاد بشكل مباشر، لكنه يضر بالانتظام المالي في البلد من ناحية تقدير حجم الاقتصاد الفعلي، إذ إن التعامل بالكاش يعني وجود عمليات غير معلن عنها، وكلما زادت هذه العمليات، ازدادت صعوبة معرفة الأرقام الدقيقة لحجم الاقتصاد. هذا الأمر بطبيعة الحال يمنع بناء موازنات دقيقة، وبالتالي فإن عدم مرور الكاش عبر القطاع المالي والمصرفي سيضعنا في موقف ضبابي في ما يتعلق بمعرفة حجم الاقتصاد الحقيقي.
ويشير أبو عضل في حديثه لـ”لبنان24″ إلى أنه من المتوقع أن يقوم الفيدرالي الأميركي بتخفيض الفوائد على الدولار، مما يعني في طبيعة الحال أن الدولار سيفقد بعضًا من قيمته بالنسبة للعملات الأخرى والذهب. وبالتالي، فإن انخفاض قيمة الدولار لن يؤثر فقط على الأموال المخزنة في المنازل، بل سيمتد تأثيره أيضًا إلى الدولار الموجود داخل المؤسسات المالية والمصارف، في حال لم يقم الأفراد بسحب أموالهم أو تحويلها إلى عملة أقوى من الدولار، أو استثمارها في أصول لا تفقد قيمتها، مثل الذهب، الذي وصل إلى أرقام قياسية وتاريخية في الوقت الحالي.
من جهته، لا يخفي الكاتب الاقتصادي الدكتور انطوان فرح خطورة إبقاء الدولار الفرش في المنازل.
وفي اتصال عبر “لبنان24″، يشير فرح إلى أنه بالإضافة إلى تعرض الأموال المخزنة لمخاطر الحريق، والسرقة، والتلف، فإن مجرد عدم استخدامها وضخها في الدورة الاقتصادية يؤثر سلبًا على الاقتصاد. فالقطاع المصرفي هو الذي يحرك الاقتصاد، ويضخ الأموال، ويساهم في النمو، وهذا ما يُحرم منه لبنان حاليًا.
ويؤكّد فرح أنّ الأفضل اليوم هو إصدار قانون يلزم المقترض أن يعيد الاموال بالعملة التي اقترض بها، مشيرًا إلى أنّ مجرّد صدور هذا القانون سيسمح باستخدام الدولار الفريش الموجود داخل المصارف، عن طريق إعطائها كقروض، وإعادة تحريك العجلة الاقتصادية.
خسائر بالجملة
أما عن التكديس المتواصل في المنازل، فلفت إلى أنّ المودع خسر أولا الفائدة على الإيداعات، التي يمكن تقديرها بين 4 و 4.5%. فعلى سبيل المثال، من خزّن في منزله قرابة 100 ألف دولار، خسر إلى حدّ اليوم حوالي 25 ألف دولار.
بالإضافة إلى ذلك، سلّط فرح الضوء على تأثير التضخم الذي يضرب اقتصادات العالم، موضحًا أن رفع الفوائد على الدولار جاء نتيجة لارتفاع التضخم، حيث وصل التضخم على مدى السنوات الخمس الماضية إلى 30% بشكل تراكمي. هذا يعني أن من خزّن 100 ألف دولار في منزله شهد انخفاضًا في قيمتها إلى 70 ألف دولار، نتيجة لتراجع القيمة بنسبة 30%. وإذا أخذنا في الاعتبار قيمة الخسائر البالغة 30%، بالإضافة إلى الفوائد التي خسرها صاحب الأموال والتي تبلغ 25%، فإن من خزّن الأموال في منزله منذ خمس سنوات خسر حوالي 55% من قيمتها. بمعنى آخر، كل 010 ألف دولار خزّنها فقدت 55 ألف دولار من قيمتها.
بالتوازي، وبغض النظر عن التضخم، فإن فقدان الدولار لقيمته أمام سلة العملات العالمية سيؤدي إلى إضافة نسبة مئوية جديدة لمجموع الخسائر. وعليه، يشير فرح إلى أنه من الصعب تقدير مدى تطور هذا الوضع في الوقت الحالي، خاصةً مع سياسة المرشح للرئاسة الأميركية دونالد ترامب، الذي يسعى لخفض سعر الدولار إذا نجح في الانتخابات.
وبالتالي، في حال ضُغِط على الدولار أكثر إذا وصل ترامب للرئاسة، فإن ذلك يعني المزيد من الخسائر للأشخاص الذين يكدسون أموالهم في منازلهم.
جميع هذه المشاكل توضح حجم الخسائر التي يتكبدها أي شخص خزّن أمواله داخل منزله ولم يستثمرها، سواء في القطاع المصرفي أو في أي شيء آخر لا يفقد قيمته.
من هنا، يرى فرح أن الحل ليس عند المواطن ولا المصرف، إذ يجب اليوم أن يتم الانطلاق وبشكل فوري بخطة الإنقاذ، هذا بالاضافة إلى تفعيل قوانين جديدة تتعلق بالازمة الاقتصادية، ومنها قانون فرض إعادة القروض بالعملة التي يتم الاقتراض بها.
نهاية الدولار.. وهم بعيد المنال
تستمر أزمة التضخم بجانب ارتفاع معدل الفقر في تقليص قدرة المنتج الأميركي على المنافسة، مما يؤدي إلى تراجع الصادرات وزيادة الواردات، ويسبب اختلالات مستمرة في الميزان التجاري. ورغم الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها إدارة بايدن، إلا أن الصلاحيات المحلية لكل ولاية حدّت من تأثير هذه الإصلاحات، مما يعكس أزمة أعمق في البنية السياسية الأميركية، ستؤثر بطبيعة الحال على قيمة الدولار.
وعلى الرغم من التراجع، لا تزال عملة العم سام تشهد طلبا قويا، وحسب استطلاع أخير شمل 73 بنكا مركزيا يديرون احتياطات تقدر بـ5.4 تريليون دولار، كان 18 منها تعتزم زيادة استثمارها بالدولار، على الرغم من صعود نجم بعض العملات الأخرى، إلا أن ذلك لا يعني أبدًا أن تراجع الدولار هو الانهيار الحتمي، وهذا ما يؤكّد عليه المستشار المالي والمصرفي غسان أبو عضل، الذي يشير لـ”لبنان24″ إلى أن أي سلعة اليوم، ومن ضمنها الذهب والعملات المشفرة، كلّها تسعّر على الدولار، فعندما يتم التوقف عن استخدام الدولار كمرجع للتسعير، عندها فقط يمكن القول أن الدولار قد انهار، لافتا “إلا أن اليوم، وحتى ولو قرّرت بعض من الدول أن تبني عملياتها التجارية بناء على عملات غير الدولار، إلا أن المرجع الأول والأخير لعملية تسعيير العملة يكون وفقا للدولار”.
ولا يخفي ابو عضل صعود نجم عدد من العملات، إلا أنّه يؤكّد أن جميعها لا تزال تسعّر على الدولار.
لبنان24