صيفٌ ساخن شهده قطاع السياحة في لبنان وسط الحرب التي لم تنتهِ بعد، بل ازدادت وتيرتها بشكلٍ كبير. فعلياً، فإنّ المشهد هذا العام لصيف 2024 كان قاتماً نوعاً ما، فالمؤشرات التي ارتبطت به كانت غير مُستقرة بفعل الكثير من الأحداث والمخاوف التي أثرت به.
على صعيد قطاع المطاعم، تتحدث الأرقام عن “نمو ملحوظ” في عدد المؤسسات، إذ تبين أن أكثر من 300 مشروعٍ تمّ افتتاحهم بشكلٍ خاص. ولكن، هل يعني ذلك حصول تعافٍ في القطاع المذكور؟ عملياً، قد لا يكون هذا الأمر مُحققاً، فنقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاحي والباتيسيري في لبنان تُقدّر أنَّ قيمة الخسائر هذا العام وصلت إلى 30%، متوقعة أن ترتفع الخسائر أكثر طالما أن الحرب مستمرة على الجبهة جنوب لبنان وداخل غزّة.
اللافت بالأرقام يتلخص بأن الخسائر لم تتركز فقط في الجنوب والمناطق المحيطة نسبة إلى الخطر التي يحدق بها، ولا في بيروت، التي هدّدت إسرائيل بقصفها أكثر من مرة. ما جرى هو أنّ الخسائر طالت مناطق بعيدة، أبرزها البترون التي تراجع عمل المطاعم فيها 31%، برمانا 30-%، ضبية والنقاش 40-%، وطرابلس 54-%.
في الواقع، فإنّ هذه الأرقام تكشف حالة الخوف مما يجري، وهي التي دفعت بالمُغتربين إلى التخلي مؤقتاً عن فكرة زيارة لبنان.
من هنا، يشير نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري خليل نزهة إلى أن الضربات المتتالية من قبل العدو الإسرائيلي على مواقع مختلفة في لبنان أدّت بشكل مباشر إلى انحدار الأوضاع وأثّرت في طبيعة الحال على عمل المؤسسات السياحية ومن ضمنها المطاعم.
ويشير نزهة خلال اتصال عبر “لبنان24” إلى أن النقابة اليوم تحاول قدر المستطاع وضمن الظروف والامكانات المتاحة المحافظة على ما تم تحقيقه خلال العام الماضي، خاصة على صعيد الحفاظ على السياح الذين بدأوا في العودة إلى لبنان، مشدداً على أن الأمر يشمل أيضاً أصحاب المطاعم الجدد الذين عادوا أيضا إلى لبنان، والذين يعتبرون من العناصر الأساسية لناحية دفع السياحة إلى الأمام.
ويؤكّد نزهة أن قسماً كبيراً من اللبنانيين كانت تعوّل عليهم المؤسسات السياحية بأكملها، إلا أن الحرب أجبرت العدد الاكبر منهم على قطع زيارتهم إلى بيروت، وهذا ما أثّر مباشرة على عمل هذه المؤسسات.
من هنا، يظهر حجم التأثير اللبناني على عمل المطاعم، بغض النظر عن عدد السياح العرب والأجانب الذين أتوا إلى لبنان، وهذا ما تم التماسه خلال الأشهر الماضية، التي شهدت امتحاناً للبنان ومؤسساته السياحية لناحية مدى قدرة اللبناني على تشغيل هذا القطاع، وسط غياب العنصر العربي والأجنبي بناء على تنبهيات السفارات المتتالية لناحية عدم الذهاب إلى لبنان.
وعليه، يشير نزهة إلى أن قطاع المطاعم، والذي يعتبر من أهم القطاعات السياحية في لبنان، استطاع أن يعتمد لحدٍ كبير على اللبنانيين رغم الحرب، علماً أن السياحة في لبنان لا تقتصر أبداً على الموسم الصيفي، إذ إنّ مواسم الأعياد المقبلة، وفي حال انتهاء الحرب، من شأنها أن تؤدي إلى انطلاقة جديدة، يؤمل من خلالها أن يستعيد القطاع عافيته.
وأكد نزهة أنّ هذا القطاع يستوعب عدداً كبيراً من الوظائف التي توفّر مدخولا للبنانيين خلال مواسم السياحة والأعياد، مشيراً إلى أنَّ الخوف اليوم يتلخص في استمرار الحرب، وفي حال ظل الوضع على ما هو عليه، فإن الأمور قد تذهب إلى الأسوأ، وهذا ما لا يريده أحد، إذ إن النقابة تعمل بشكل دائم على الحفاظ على النتائج الإيجابية، وتخطي الصعوبات التي تعترض التقدم بالقطاع.
ويلفت إلى أن هذا الامر لا يتعلق بالمطاعم فقط، إذ إنّ هذه المؤسسات هي مرتبطة بشكل أساسي بقطاعات إنتاجية أخرى، كمعامل إنتاج المواد الغذائية، والمنتوجات البلدية، هذا عدا عن الأمور التقنية التي تتعلق بالاضاءة والصوت، والصيانة، وغيرها من فرص العمل الكثيرة التي من شأنها أن تؤمنها المطاعم، خصوصاً أنَّ قطاع المطاعم والمطبخ اللبناني خرج من حدود لبنان، فبات يتمُّ تصدير علامات تجارية وغيرها الكثير من الاشياء المهمة المرتبطة بالمطعم اللبناني إلى الخارج.
وشدّد نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والكلاهي والباتيسري خليل نزهة على أن السياحة أولا وأخيراً تريد استقرارا سياسيا وأمنيا، وفي حال لم تتأمن هذه الضوابط، فإن الأمور ستبقى على ما هي عليه، والمعاناة ستزداد أكثر.
ماذا عن قطاع الفنادق؟
ومن المطاعم ننتقل إلى الفنادق التي تُعتبر الغائب الأبرز عن الحركة السياحة لهذا العام. في الواقع، لقد تأثر هذا القطاعُ بشكلٍ كبير. بشكلٍ أو بآخر، فإن عمل الفنادق لم يتلقَ ضربة إقتصادية بسبب غياب السياح فحسب، ما طاله تأثير خطير من جانب بيوت الضيافة وخدمة “Airbnb” التي أهلكت قطاع الفنادق وسمحت للسياح بالحصول على غرف داخل منازل معروضة للإيجار على شكل فنادق.
فعلياً، فإن هذا الأمر سحب البساط من تحت الفنادق، وسط عدم تنظيم واضح لهذا القطاع، في وقتٍ تتحدث فيه الأرقام عن أن حركة العمل داخل الفنادق تراجعت أكثر من 40%، وفي بعض المناطق لم تتجاوز نسبة الإشغال الـ3%.