لم تكن توصيات إعفاء تلامذة المناطق الحدوديّة من دفع رسوم التّسجيل في المدارس والثانويات والمعاهد الرّسميّة، الذي أعلن عنه يوم أمس الجمعة قد صدرت بعد، حتى كانت سهام خطب صلاة يوم الجمعة شمالاً تستهدف قرار وزارة التربية الجائر بفرض الرسم بقيمة 4 ملايين و500 ألف ليرة لصندوق المدرسة عن كل تلميذ لبناني، و9 ملايين ليرة عن كل تلميذ غير لبناني. صدرت التوصيات واستيقظت معها شياطين المذهبية والمناطقية، وستكر السبحة في الأيام المقبلة.
مجانية التعليم والتسرب
ما حصل منذ إصدار الحلبي قرار فرض رسم تسجيل على جميع الطلاب منذ نحو أسبوع، أن الحلبي فتح المجال لإطلاق النار على وزارته. والسهام أتت لأن القرار ضرب مجانية التعليم للتعليم الأساسي، المعتمد في لبنان لمنع تسرب التلامذة في سن مبكر. ولعل مناطق الشمال كانت الأكثر معنية بقانون مجانية التعليم، أكثر من غيرها، نظراً لارتفاع معدلات الفقر، التي تنعكس ارتفاعاً بمعدلات التسرب المدرسي، كما يقول تربويون في المنطقة. لكن الحلبي اتخذ قراراً متسرعاً لأنه لم يأتِ بعد مشاورة الأسرة التربوية. بل اكتفى بالاستماع إلى بعض المستشارين أو المسؤولين في الوزارة، الذين لم يدركوا كيف سينعكس الأمر على المستوى الشعبي.
لكن الحلبي مضى بهذا القرار. ويوم أمس عقدت الشّبكة المدرسيّة الوطنيّة في قضاء صور لقاء تشاوري حول “التّحدّيات الأمنيّة والاقتصاديّة لانطلاق العام الدّراسيّ المقبل في القطاعين العام والخاصّ”، بحضور وزير التربية عباس الحلبي. وصدرت جملة توصيات، إضافة إلى إعفاء الطلاب في الجنوب من رسوم التسجيل، العمل على توفير الدعم الماليّ من جهات مختصّة (الحكومة أو الجهات المانحة) لصناديق المدارس والمعاهد الرّسميّة، وتأمين الدعم المالي للمدارس الخاصة المتاخمة للحدود والقريبة منها.
انقسام اللبنانيين
اللبنانيون منقسمون حول كل تفصيل في البلد. وهذا يستدعي من وزارة التربية عدم اتخاذ قرارات متسرعة ولا سيما تلك التي تغذي الانقسامات. لكن الوزير ذهب إلى خيارات أيقظت كل شياطين الطائفية والمناطقية ضده. ويقول تربويون من مختلف المناطق أن هذه التوصيات كفيلة بتعميق هوة الخلافات المناطقية مع وزير التربية وقراراته التي تميز بين طالب وآخر ومدرسة وأخرى. فبعيداً من أن قرار فرض رسوم التسجيل لم يراع الضائقة المالية التي يعيشها أهالي الطلاب في المدارس الرسمية، ويتناقض مع القوانين المرعية الإجراء، ما زاد الطين بلة موافقة الحلبي على التوصيات التي صدرت يوم أمس. وهو يعلم أنها تميز بين المواطنين والمدارس. فهل الطالب النازح في الجنوب أقل فقراً من فقراء طرابلس وعكار والبقاع؟ وهل صناديق مدارس الجنوب المقفلة أكثر حاجة من صناديق باقي المدارس الرسمية في لبنان؟ ولماذا تدفع الدولة أموالاً لصناديق تلك المدارس لتعويض إعفاء الطلاب من الرسوم، ولا تقدم على الأمر عينه في باقي المدارس الرسمية في لبنان؟ وهل المدارس الخاصة المقفلة بدورها في الشريط الحدودي بحاجة لدعم مالي؟ تسأل المصادر.
تحويل التعليم الرسمي إلى خاص
بعيداً من هذه الإشكاليات المناطقية التي تنفجر بوجه وزير التربية بعد رفع تلك التوصيات، كان قرار فرض الرسوم بذاته إشكالياً. فقد تقدم محامون بطعن لدى مجلس شورى الدولة بقرار الحلبي لأنه تجاوز فيه حد السلطة. ثم بدأ أهالي الطلاب يتذمرون من الضائقة المالية ولا سيما في الشمال. وصدرت موافق من سياسيين ومن فعالية طرابلس ضد القرار. وقد ناشد يوم أمس رئيس بلدية طرابلس رياض يمق الوزير للعودة عن القرار، لاسيما وان الأهالي في كل لبنان خصوصاً في طرابلس والمنية الضنية وعكار والبقاع والجنوب ليس باستطاعتهم تأمين هذا المبلغ عن طالب واحد فكيف إذا كان رب العائلة لديه أكثر من ثلاثة طلاب.
وما زاد الوضع سوءاً أن مدراء مدارس رسمية أبلغوا أهالي الطلاب أنه عليهم دفع الرسم في غضون الأسبوع المقبل تحت طائلة فقدان مقعدهم الدراسي. وقد بدت تصرفات إدارة مدرسة مجدليا الرسمية في زغرتا أسوأ من تصرفات المدارس الخاصة. وبحسب تسجيل صوتي حصلت عليه “المدن” أرسلت الإدارة تبلغ أهالي الطلاب القدامى بأنه عليهم دفع الرسم بحد أقصى يوم الثلاثاء المقبل، وفي حال لم يدفعوا عليهم الحضور لاسترداد ثمن الهندام المدرسي، واعتبار أولادهم مفصولين من المدرسة. وهذه أولى بوادر تحويل المدرسة الرسمية إلى خاصة، وهي ناتجة عن القرار المتسرع بفرض رسم التسجيل.
وليد حسين – المدن