منشورات مثيرة للجدل وتخبّط إسرائيلي.. هل اقتربت لحظة الحسم لبنانيًا
حافظت الجبهة اللبنانية، أو “جبهة الشمال” كما يحلو للعدو وصفها، على “توتّرها” خلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث تواصلت العمليات العسكرية على جانبي الحدود، بالوتيرة المعتادة نفسها نسبيًا منذ ردّ “حزب الله”، وذلك على وقع استمرار التهديدات الإسرائيلية بـ”تغيير الوضع” جذريًا فيها، وهو ما جدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التأكيد عليه مرّة أخرى، وصولاً إلى حدّ رسم سيناريوهات للمواجهة المُنتظَرة من دون تحديد توقيتها الدقيق.
لكنّ “مستجدًّا” على خطّ هذه الجبهة لفت الانتباه في الساعات الماضية، وتمثّل في المنشورات التحذيرية التي ألقيت على مناطق جنوبية قريبة من الحدود، بدت غير مسبوقة برسائلها، لجهة دعوة السكان والنازحين إلى الإخلاء فورًا، وعدم الرجوع حتى نهاية الحرب. إلا أنّ “المفارقة” تمثّلت في التعامل الإسرائيلي، لا اللبناني معها، حيث برز “التخبّط” بداية في تأكيد ونفي الأمر، قبل أن يُحكى عن “فتح تحقيق” بشأن الأمر، الذي لم يحظَ بموافقة القيادة السياسية.
وفي وقتٍ حاول الإسرائيليّون “احتواء” الموضوع إنّ صح التعبير، عبر القول إنّ الخطوة المثيرة للجدل، كانت بمثابة “مبادرة ذاتية” من اللواء 769، “ولم تتم الموافقة عليها من قبل قيادة الشمال”، فإنّ الأمر لم يحجب علامات الاستفهام عن المغزى منها، فهل تعبّر هذه المنشورات عن تحوّل في المواجهة، ربطًا بما يتسرّب عن اجتماعات واستعدادات لتوسيع الجبهة، أم أنّها تندرج ربما في خانة “الحرب النفسية” ليس إلا، من باب التخويف ورفع السقف؟!
“جدل” المنشورات
صحيح أنّ المنشورات التحذيرية ليست أمرًا جديدًا في العقلية الإسرائيلية، إذ يعمد جيش الاحتلال إلى إلقاء الكثير منها بشكل دوري في قطاع غزة، حيث يطالب سكان مناطق فيه بالمغادرة استعدادًا لقصفها، إلا أنّ مثل هذا الإجراء لم يكن مألوفًا على الجبهة اللبنانية على امتداد الأشهر الماضية، وذلك منذ فتحها من جانب “حزب الله” في الثامن من تشرين الأول، ولم يسبق أن مهّد الإسرائيلي لغاراته بمثل هذا التكتيك، حتى حين ضرب الضاحية الجنوبية لبيروت قبل أسابيع.
من هنا، بدت المنشورات التحذيرية التي ألقيت حمّالة رسائل، وقد فُهِمت ضمنًا للوهلة الأولى على أنّها قد تشكّل “مقدّمة” لتحوّل ما في طبيعة العمليات العسكرية، ولا سيما أنّها جاءت بعد ساعات من تسريبات صحفية تولّاها الإعلام الإسرائيلي حول تصعيد واسع في الشمال، من أجل تغيير الوضع القائم، وإعادة المستوطنين، وفق ما نقلت القناة 13 الإسرائيلية، أو بالحدّ الأدنى، أنّها تشكّل رسالة “تخويف”، يمكن أن تستثمرها
تل أبيب على طاولة المفاوضات.
لكنّ المفارقة، وفق ما يقول العارفون، أنّ إسرائيل نفسها أفرغت هذه “الرسائل” من مضمونها، بأدائها الذي أظهرها وكأنّها “تتنصّل” من هذه المنشورات وتتبرّأ منها، بل تحمّل مسؤوليتها لفردٍ تصرّف من تلقاء ذاته، علمًا أنّ التضارب في المعطيات الذي سبق هذه الاستنتاجات أثار الاستغراب، وقد فُهِم منه ضمنًا أنّ إسرائيل التي تقول في العلن إنّها تريد التصعيد، تخشاه وتخافه في الحقيقة، ولا تريد تكريس أيّ إشارات قد توحي بأنّها ماضية باتجاهه فورًا.
بانتظار القرار السياسي
لكن، بعيدًا عن هذه الاستنتاجات، ثمّة من يربط التعامل الإسرائيلي مع الموضوع، بالمؤشرات السياسية، بانتظار اجتماع المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية في تل أبيب، والذي يتوقع أن يصادق على اعتبار إعادة سكان الشمال إلى مستوطناتهم “هدفًا” من أهداف الحرب الحالية، ولكن أيضًا عشية زيارة مفترضة للمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى تل أبيب، قد يتحدّد بنتيجتها “مصير” التصعيد والسيناريوهات المحتملة.
وفي وقت كان لافتًا ما ذكرته صحيفة يديعوت أحرونوت عن أنّ إسرائيل أبلغت واشنطن أنه إذا لم تحرز تحركات هوكشتاين أي تقدم، فإنّها ستمضي قدمًا باتجاه عملية عسكرية واسعة في الشمال، بدا أنّ الإعلام الإسرائيلي يروّج لهذا الخيار بصورة واسعة، وهو ما تجلّى أيضًا في تسريبات القناة 13 التي تحدّثت عن قرار بتصعيد “متدرّج”، وصولاً إلى “عملية واسعة وقوية” في الجبهة الشمالية، وإن قالت إنّ الموعد النهائي لمثل هذا الأمر لم يتحدّد بعد.
ومع أنّ نتنياهو بدا “متناغمًا” مع هذه التسريبات، حين كرّر مرّة أخرى قوله إنّ الوضع الراهن على الحدود الشمالية “لن يستمرّ”، متوعّدًا بتغيير ميزان القوى هناك، وقائلاً: “سنفعل كل شيء لإعادة مواطنينا إلى منازلهم بأمان”، فإنّ العارفين لا يستبعدون أن يبقى كلّ ذلك محصورًا في خانة الحرب النفسية ليس إلا، بهدف جرّ “حزب الله” إلى طاولة المفاوضات، وفكّ الارتباط مع غزة، وربما للضغط على الأميركي ليضغط على لبنان في هذا الاتجاه.
ثمّة من يقول إنّ التهديدات الإسرائيلية بتوسيع القتال في لبنان، ما عادت تؤتي ثمارها، لكثرة ما تكرّرت واستهلكت، حتى أفرِغت من مضمونها، وثمّة من يؤكد أنّ إسرائيل لن تجرؤ على الذهاب إلى حرب واسعة مع “حزب الله”، وهي التي لم تخرج بعد من مستنقع غزة. لكن بين هذين الرأيين، ثمّة من يخشى أن تصبح مثل هذه المواجهة “الخيار الوحيد” فعلاً، في لحظة الحقيقة، وإن كان واضحًا أنّ إسرائيل تهرب منها، وتحاول تفاديها!
لبنان24