استفاق أهل الضاحية الجنوبية أمس على يوم جديد، متشح بالرايات السود، بعد سقوط عدد كبير من الضحايا جراء الغارة الإسرائيلية على مبنى سكني في منطقة الجاموس قرب مدينة الحدت.
من نفض غبار وركام وحركة أهالي يسألون عن مفقودين لم يتم جلاء مصيرهم، إلى الاطمئنان عن الناجين في الحي المكتظ عمرانا وكثافة سكانية. وقد أفيد أمس بانتشال أفراد عائلة كاملة قضوا تحت الركام.
أحد الزملاء أصحاب الباع الطويل في العمل خلف الكاميرا وتغطية حروب، عدة بينها «عناقيد الغضب» في أبريل 1996، وكان طليعة الواصلين إلى قانا وتوثيق المجزرة التي أصابت الأهالي الذين اعتقدوا بتأمين ملاذ آمن عبر اللجوء إلى خيمة خاصة بالكتيبة الفيدجية العاملة في قوات الطوارئ الدولية «اليونيفيل».. تخلى عن الكاميرا وحتى العدسة في جهازه الخليوي، وعمل مسعفا في انتشال مصابين وتأمين إيصالهم إلى سيارات في أقرب نقطة من مكان الاستهداف، لنقلهم إلى المستشفيات.
تحدث الزميل الخمسيني لـ «الأنباء»، فقال: «كنت على بعد 50 مترا من المبنى المستهدف وتمت تغطية جسمي بالغبار الكثيف، وبعدها لاحظت وجود بقع دماء من المصابين على ملابسي، ما أدى إلى اعتقاد البعض اني أصبت. لم يكن الوقت متاحا الا لنقل المصابين، وبينهم عدد من الأحياء، وقد شعرت بالرهبة بعد حملي جثة فارق صاحبها الحياة. الجميع في المحيط عملوا على المساعدة، انطلاقا من نخوة في المساعدة والإنقاذ. لم ألتفت إلى هاتفي، وبعد زهاء ساعتين، تذكرت ضرورة تفقد عائلتي التي تسكن في مكان غير بعيد، وهنا اكتشفت أن كثيرين حاولوا الاتصال بي، واعتقد البعض أني بين الضحايا..».
على تخوم الضاحية الجنوبية في الجزء الآخر من منطقة الشياح الذي طالما شكل خط تماس في الحرب الأهلية مع الجزء الثاني، احتشد الناس لتسقط أخبار جيران ورفاق يعبرون في تلك البقعة. في حين تم تعليق الدروس في عدد من الجامعات الخاصة على بعد دقائق قليلة من المكان، وسريعا خلت الشوارع في مناطق بعيدة مجاورة من السيارات، في ظاهرة تتكرر مع كل حدث أمني.
بينما استمرت الحركة عادية على الساحل البحري من جل الديب في المتن الشمالي، وصولا إلى البترون في محافظة الشمال مرورا في جونية (كسروان) وجبيل. وقد شكلت هذه البقعة متنفسا للناس، حيث يشعرون بأمان أكثر، في ضوء عدم توسع الحرب الإسرائيلية، علما أن الناس هناك اتخذوا مسبقا إجراءات خاصة بتدهور الأمور، كالبقاء في مناطقهم والابتعاد عن منشآت نفطية على الساحل البحري اللبناني وغيرها من أماكن قد تكون عرضة للاستهداف.
الناس في لبنان يتأقلمون سريعا مع «اليوم التالي»، وهذا ما حصل أمس، اذ قصدت مجموعات ضخمة البحر للإفادة من «آخر أيام الصيفية»، مع التمني ألا تكون «آخر أيام الهدوء الحذر».
ناجي شربل- الأنباء الكويتية