عبر ضرباته الأمنيّة والاستخبارية القاسية جداً التي أصابت رأس القيادة العسكرية للحزب يحقّق العدوّ الإسرائيلي ما لا يمكن لاجتياح برّي بالمفهوم الكلاسيكي أن يُحقّقه. تتدحرج الأمور وفق مسار خطير جداً بلغت ذروته بتعميم جيش العدوّ منشوراً لقائمة أهداف من تسعة من قادة الحزب الأساسيّين اغتالت حتى الآن ستّة منهم وبقي على رأس القائمة الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله وعلي كركي قائد جبهة جنوب الليطاني وأبو علي رضا قائد “وحدة بدر“.
من دون أن يتمّ التحقّق من المعطيات ذكرت وسائل إعلام عربية وأجنبية تعيين الحزب أبي علي رضا (أبي حسين باريش) قائداً لقوّة الرضوان بعد اغتيال قائدها إبراهيم عقيل، وتعيين علي موسى دقوق مساعداً له، ويعتبر أبو علي رضا من كبار ضبّاط العمليات العسكرية في الجنوب، وتعرّض لأكثر من محاولة اغتيال. كما كان علي كركي المستهدف الأساس في غارة نفّذها العدوّ الإسرائيلي بمسيّرة في النبطية في شباط الماضي إلا أنّه نجا بعدما تبيّن اعتماده لمسار تنقّل مموّه، وهو ما أدّى يومها إلى إصابة المسؤول العسكري عباس الدبس (الحاجّ عبدالله). ويعتبر كركي من أرفع القادة العسكريين، وهو في عداد المجلس الجهادي الذي خسر قبل أيام عدداً من قياداته.
أمس أعلن النائب حسن فضل الله من دون ذكره أسماء “عدم ترك أي فراغ في البنية القيادية للحزب ولو ليومٍ واحد. فسارع الحزب إلى استيعاب هذا العدوان ونتائجه لأن هؤلاء القادة ربّوا الآلاف من الكوادر القادرة على استلام أي موقع قيادي ميداني. وهذا ما حصل في ليلة العدوان على الضاحية والأخوة تسلّموا المسؤوليات وباشروا عملهم”.
الحزب يلملم صفوفه
كلّ شيء يوحي بجهوزية الحزب لإعادة لملمة صفوفه وتحصين قيادته العسكرية عبر حركة “مناقلات” تغطّي الثغرة الأمنية القاتلة بفعل الإطاحة بكبار قياداته الميدانية، فضلاً عن تكثيف هجماته العسكرية مستهدفاً حيفا للمرّة الأولى مع محاذرته حتى الآن استهداف المدنيين في الأراضي المحتلّة أو استخدام ترسانة الصواريخ الدقيقة، وذلك ضمن سياق الاستعداد لـ “الثأر الكبير..”.
“كردّ أوّلي”، كما أعلنت قيادة الحزب، على المجازر الإسرائيلية يومَي 17 و18 أيلول (مجزرتا البيجر وأجهزة اللاسلكي) قَصَف الحزب لأوّل مرّة منذ بدء حرب إسناد غزة شمال حيفا عبر استهدافه مجمّعات الصناعات العسكرية المتخصّصة بالوسائل والتجهيزات الإلكترونية في منطقة زوفولون بصواريخ “فادي 1″ و”فادي 2” غير المُستخدَمة سابقاً والتي يراوح مداها بين 80 و100 كلم، وكانت من ضمن ترسانة الصواريخ التي كشف عنها الحزب ضمن منشأة “عماد 4”. كما استهدفت قاعدة ومطار رامات ديفيد جنوب شرق حيفا والقاعدة العسكرية الوحيدة شمال فلسطين المحتلّة التي تضمّ مقاتلات ومروحيات قتالية ومنظومات حرب إلكترونية هجومية ومروحيّات استطلاع جوّي، وفق قيادة الحزب. كما أكّد موقع العهد الالكتروني التابع للحزب “دخول أكثر من نصف مليون صهيوني دائرة نيران الحزب ما سيوسّع دائرة التهجير والإخلاء”.
لاحقاً، خلال نهار أمس تقصّد الحزب بعد ضرب حيفا فجراً توجيه رسالة مباشرة للعدو من خلال تنظيم تشييع شعبي في الضاحية لقائد قوّة الرضوان إبراهيم عقيل والقيادي الميداني محمد حمد شارك فيه الآلاف وألقى خلاله نائب أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم كلمة دشّن عبرها مرحلة “الحساب المفتوح” مع العدو الإسرائيلي، مُؤكّداً الاستمرار في حرب إسناد غزة إلى أن تتوقّف الحرب ومنع عودة المستوطنين إلى شمال إسرائيل، كما دعا إلى “مراقبة الميدان ليُنبِئكم عن دفعات الحساب… ولا نخشى أخطر الاحتمالات العسكرية”!
الرّدّ على مجزرة الجّاموس
لم يصل بنك الحساب المفتوح مع العدوّ بعد إلى مرحلة الردّ على “مجزرة الجاموس” التي قضت فيها إسرائيل بغارة صاروخية في عمق الضاحية على رئيس قوّة الرضوان إبراهيم عقيل ومعظم هيئة أركانها، أي العقل العسكري للحزب، لكنّ تطوّرات الساعات الماضية كانت تشي بمحاولة قيادة الحزب إثبات أنّ الضربات المتتالية التي تلقّتها من العدوّ الإسرائيلي لم تؤثّر على قدراتها الهجومية والردعيّة فأدخلت حيفا للمرّة الأولى ضمن بنك أهدافها العسكرية في اليوم نفسه الذي كانت تتحضّر فيه لتشييع القائد رقم 2، بعد القيادي فؤاد شكر، إبراهيم عقيل ابن بدنايل في الضاحية الجنوبية.
كان الأمين العامّ للحزب هدّد في ذكرى مرور أسبوع على اغتيال فؤاد شكر باستهداف حيفا ومينائها، قائلاً “على إسرائيل من الشمال إلى الجنوب أن تنتظر ردّنا”، وجازماً: “إيران ستردّ (على اغتيال إسماعيل هنية) والحزب سيردّ والمصانع الإسرائيلية في الشمال يمكن تدميرها في ساعة واحدة”.
على المستوى الرسمي ليس من شأن اجتماع مجلس الأمن المركزي ولا اجتماعات الحكومة المفتوحة و”خليّة الأزمة” ولا عدول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن المشاركة في اجتماعات الجمعية العامّة للأمم المتحدة في نيويورك “بسبب خطورة الوضع” يمكن أن يُغيّر مجرى أحداث يملك مفتاحها الحزب وإسرائيل وخلفهما إيران والولايات المتحدة الأميركية.
لكنّ المؤكّد، وفق أوساط حكومية، أنّ إسرائيل تحاول فرض معادلة على الجبهة الشمالية تحقّق عودة مستوطنيها من خلال ضربات موضعية موجعة محدّدة في الزمان والمكان ضدّ الحزب كبديل عن خيار الحرب الشاملة وللضغط على الحزب للسير بخيار التسوية والإذعان لترتيبات الفصل بين جبهتي غزة والجنوب والتمهيد لإعادة الاستقرار إلى الجبهة الشمالية، أو تجرّه إلى فخّ “الردّ الكبير” الذي قد يبرّر لها كسر كلّ المحرّمات بوضع لبنان برمّته في دائرة الاستهداف.
ملاك عقيل -اساس