تشهد جماعة حزب الله، انقسامات بشأن سبل الرد على سلسلة الهجمات الإسرائيلية التي استهدفتها خلال الأيام الأخيرة في لبنان، وذلك وفقا لمصادر مطلعة على المداولات الداخلية للجماعة، التي قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، إنها أمام “مفترق طرق تاريخي”. وأشارت الصحيفة الأميركية، إلى أن جماعة حزب الله، بعد أن أطلقت صاروخا على تل أبيب، الأربعاء، في أجرأ رد على الهجمات الإسرائيلية، تواجه الآن “قرارا مصيريا”، إما بتصعيد الموقف عبر توجيه ضربات أعمق داخل إسرائيل باستخدام ترسانتها المتطورة، مما قد يشعل فتيل حرب شاملة، أو الامتناع عن التصعيد، مع ما يحمله ذلك من مخاطر تقوّض سمعتها كإحدى أبرز الجماعات المسلحة في المنطقة. واعتبرت محللة الأمن في مؤسسة “كارنيغي” للسلام الدولي، الخبيرة في شؤون حزب الله، ريم ممتاز، أن “هذه هي اللحظة الأكثر حسما لحزب الله منذ إنشائه قبل 4 عقود”، مضيفة أنه “ليس أمام الحزب خيارات جيدة”. ومن المرجح أن تكون “الحرب الشاملة”، مثل تلك التي خاضها حزب الله مع إسرائيل عام 2006، مدمرة للبنان، مما يفاقم أزمته الاقتصادية، ويضعف من دعم حزب الله بين اللبنانيين. ومع ذلك، إذا لم ترد الجماعة على الهجمات الأخيرة، “فقد يقوض ذلك الردع الذي بنته على مدى عقود ضد إسرائيل، بمساعدة عسكرية ومالية كبيرة من إيران”، وفق الصحيفة. وتشهد الحدود اللبنانية الإسرائيلية تبادلا شبه يومي لإطلاق النار منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في تشرين الأول، في أعقاب هجوم غير مسبوق نفّذته حركة حماس على إسرائيل. ومنذ الإثنين، تستهدف غارات إسرائيلية مكثّفة معاقل حزب الله، في جنوب وشرق لبنان، وكذلك في الضاحية الجنوبية لبيروت، مما أسفر عن سقوط مئات القتلى، وفق وزارة الصحة اللبنانية. وتقول إسرائيل إن الهجمات الأخيرة تهدف إلى وقف ضربات حزب الله التي استمرت لما يقرب من عام، والسماح للإسرائيليين بالعودة إلى منازلهم شمالي البلاد، بعدما تعهد حزب الله بمواصلة استهداف إسرائيل حتى تنهي حربها على غزة، وهو الخيار الذي قالت الصحيفة، إنه “مأزق أوقع فيه الحزب نفسه، ويحاصره الآن في زاوية ضيقة”. وحسب أشخاص مطلعين على المناقشات، فقد نشأ “خلاف” بين أعضاء الجماعة اللبنانية بشأن كيفية الرد على الضربات الإسرائيلية، إذ يرى بعضهم أن الجماعة “كانت حذرة أكثر من اللازم بشأن تصعيد الصراع”، مجادلين بـ”ضرورة الاستفادة من الغضب في صفوف أفرادها وبين عامة اللبنانيين، من أجل الرد”. في المقابل، ترى قيادة الحزب بأن عليها تجنب ما تعتبره “فخا” نصبته إسرائيل، وذلك من خلال “جعل حزب الله يُنظر إليه على أنه بادر بحرب إقليمية من شأنها أن تجر إيران والولايات المتحدة للانخراط فيها”، وفقا لمصادر لم تكشف الصحيفة عن هويتها. وتدرس قيادة حزب الله كيفية “إعادة تأسيس الردع، دون الدخول في حرب شاملة مع إسرائيل”، حسب المصادر ذاتها. على الجهة المقابلة، أعرب مسؤولون أمنيون إسرائيليون، حاليون وسابقون، عن تفاجئهم بأن حزب الله “لم يرد بقوة أكبر” بعد ضربات إسرائيل في الأيام الأخيرة، خاصة أن الجيش أبلغ سلطات الطوارئ والبلديات، قبل أسابيع، بالاستعداد لضربات محتملة من حزب الله، تصل إلى نحو 4 آلاف صاروخ وقذيفة يوميا، والاستعداد لخسائر يومية محتملة بالآلاف. وقال أحد المسؤولين، إن الضربات التي استهدفت منصات إطلاق حزب الله “ساعدت على الأرجح في إخماد الرد”، مضيفا أن القيادة العسكرية الإسرائيلية “ما زالت لا تعوّل كثيرا على قدرتها على إحباط جميع محاولات الإطلاق المستقبلية”. غير أن الصحيفة، أوردت أن من غير الواضح مدى تضرر أسلحة حزب الله بعد الهجمات الإسرائيلية الأخيرة. وقال دانيال بيمان، كبير الزملاء في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، وباحث مشارك في كتابة دراسة حديثة عن ترسانة حزب الله: “أعتقد أن إسرائيل عطلت القدرة العسكرية للجماعة، على الأقل مؤقتا، وجعلت من الصعب الرد بشكل متماسك”. لكن الصحيفة الأميركية ذكرت أنه يُعتقد أن حزب الله “لا يزال يمتلك ترسانة ضخمة، بما في ذلك مئات الصواريخ الباليستية الموجهة”. وقال مسؤول في حزب الله، إن “الضربات الإسرائيلية الأخيرة دمرت ذخائر أقل مما حدث خلال حرب 2006”. ورجحت الصحيفة، أن تكون أن تفجيرات أجهزة النداء الآلي وأجهزة الاتصال اللاسلكي، قد “عقّدت اتصالات حزب الله، مما صعّب تنسيقه لرد قوي حتى الآن”. واعتبر التقرير أن قرار حزب الله، في الأيام المقبلة، “يحمل تبعات مصيرية على مستقبله”. وقال آرام نيرغوزيان، كبير الزملاء غير المقيمين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الخبير في الديناميكيات العسكرية في الشرق الأوسط: “حزب الله ملعون إذا فعل وملعون إذا لم يفعل”. وأضاف نيرغوزيان، “الخطر بالنسبة للجماعة هو أنه كلما طال أمد هذا الوضع، وكلما تمكن الإسرائيليون من تجنب الدخول في حملة برية لن تفيد إلا حزب الله، تدهورت مصداقية الجماعة ونفوذها داخل لبنان بشكل أسرع”. |