رمت إسرائيل مسألة احتمال قيامها باجتياح بري في الواجهة منذ بعض الوقت في محاولة لرصد ردود الفعل المحتملة، لا سيما من الولايات المتحدة والخارج ربما أيضاً وفي إطار الضغط على لبنان وعلى “حزب الله”. الخشية لدى بعض المراقبين إزاء ذلك في اتجاهين على الأقل: أولاً هل سينكسر لبنان بقوة كدولة في ظل هذا الاحتمال ويضعه في موقع صعب جداً بحيث قد يضطر إلى الاستقتال والتوسل لتنفيذ القرار 1701 كاملاً، فيما تغيّرت الوقائع بين مرحلة تفاوض الرئيس نبيه بري مع آموس هوكشتاين والمرحلة الراهنة.
والاتجاه الآخر يتصل بهل سيكون الجيش اللبناني ملزماً واقعياً ومعنوياً بالتدخّل لمواجهة إسرائيل ميدانياً في ظل تساؤلات عن الموقف الأميركي، باعتبار أن واشنطن تعد من أكبر مموّلي الجيش وباعتبار أن الاجتياح البري الإسرائيلي قد يضع الجيش اللبناني في مأزق وكذلك هيبته والثقة به وبدوره أيضاً. وهذا لا ينبغي الاستهانة به على خلفية أن الأمور بالنسبة إلى الخارج لن تبقى بين إسرائيل و”حزب الله”، ما كفل إلى حدٍّ كبير غطاءً لإسرائيل بعدما تعب المجتمع الدولي من واقع دولة الحزب من ضمن الدولة اللبنانية أو فوقها أيضاً، بل قد تكون المواجهة بين الجيش اللبناني وإسرائيل وستضع اللبنانيين جميعاً من دون استثناء في الموقع نفسه الداعم له، فيما إسرائيل جهدت لإظهار أن حربها “ليست مع لبنان” بل مع الحزب وعليه. كما يمكن انخراط الجيش اللبناني في ردع اجتياح بري أن يثير موقفاً من الدول العربية التي ستجد نفسها أيضاً في موقع حرج إذا اجتاحت إسرائيل مجدداً الجنوب اللبناني.
لا ينبغي، بأي ثمن، أن يدفع لبنان إلى هذا الوضع مجدداً في رأي مراقبين كثر. فهذه المسألة ليست سهلة وتدفع في اتجاهات خطيرة ومجهولة، فيما تأكيد نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم الاستعداد لأي توغّل بري، بات مشوباً بعلامات استفهام كبيرة، ليس حيال عزم الحزب إزاء ذلك بل إزاء قدراته، إذ إن الكلمة التي أطلّ بها قاسم بعد خمسة أيام من اغتيال إسرائيل السيد حسن نصرالله، وبكلمات سعى فيها إلى الموازنة بين البقاء على خط الأخير ومواصلته وطمأنة البيئة الشيعية وإعطاء أمل للمستقبل، بدت تفتقر في لحظتها الراهنة إلى المراجعة المطلوبة أولاً وإلى الاستراتيجية كذلك ثانياً.
وهذا مفهوم في الظروف الراهنة ولكنه بالنسبة إلى المراقبين بقوة لأداء الحزب بعد نصرالله، فإنهم لمسوا أن إشارة قاسم إلى استمرار الردود من الحزب على إسرائيل بالوتيرة نفسها أي من دون أن تتسبب بحرب كبيرة او باستدراج إليها، لا يتناسب إطلاقاً مع “زلزال” رحيل نصرالله. فالهجمات المدروسة والمنخفضة المستوى نسبياً أظهرت أن الحزب ليس في وارد التصعيد على مستوى “الزالزل” ربما لعدم قدرته نتيجة الضربات التي شلّت إسرائيل قدراته فيها أو لاستمرار تقييد هذه القدرات لئلا تفرض على إيران حرباً لا تريد أن تُستدرَج إليها. وفي الحالين، فإن هناك شكوكاً مبرَّرة بنسبة كبيرة حيال الفاعلية القتالية للحزب إن حصل اجتياح إسرائيلي من دون أن يلغي ذلك إعادة تنمية الحزب قدراته لاحقاً إن أُعطي فرصة لذلك يصعب راهناً القول إن إسرائيل ستمنحها له. والمأخذ الآخر الذي سجّله البعض على مضمون كلمة قاسم هو تأكيد الاستمرار في إسناد غزة، حيث تحدث رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قبل يومين عن التمسّك بهذه المعادلة، مضيفاً أن العمليات توقفت في غزة، ما يعني أن التمسّك بهذا المطلب لحفظ ماء الوجه، فيما الخطر الذي يواجه لبنان يفترض الذهاب إلى حصر للأضرار وإيجاد المخارج.
لذلك، فإن إعلان ضم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو خصمه في المعارضة جدعون ساعر إلى الحكومة ليس فقط لحماية حكومته، بل أيضاً لتوسيع قاعدة الدعم السياسي لها ما يسهم في كشف لبنان أكثر، في مرحلة هو فيها بحاجة إلى رئيس للجمهورية وحكومة فاعلة. فمع أن بعض الدول بدأت على نحو سريع تقديم المساعدات الإنسانية للبنان، ومنها دول خليجية بدت مبادرتها لافتة على غرار المملكة العربية السعودية نتيجة المواقف التي اتخذها الحزب من المملكة سابقاً، فإن لبنان يواجه إشكالية “الثقة” بحسن إدارة المرحلة المقبلة إن لم تعُد الحياة إلى المؤسسات الدستورية في لبنان. وإشارة الرئيس ميقاتي واضحة وصريحة في هذا الاتجاه، وتجربة ما بعد 2006 لا تزال ماثلة للعيان، وغالبية المجتمع الدولي لن يكون قادراً على تقديم المساعدة الفعلية لإعادة إعمار ما تهدّم من دون وجود مؤسسات فاعلة من رئاسة جمهورية وحكومة فاعلين لقيادة المرحلة المقبلة.
وهذا الأمر ملحّ وضاغط لأن غداً قد يتحول الأمر أكثر صعوبة وتعقيداً. وما أعلنه ميقاتي على نحو لافت بعد لقائه بري من رغبة في الدعوة إلى انتخاب رئيس توافقي بعد وقف النار بدا مهمّاً جداً في هذا التوقيت.