يعكس الاجتماع الموسع الذي عقده وزير الأشغال علي حميه في مكتبه أول من أمس، في حضور مسؤولين في المرفأ والمطار والجمارك، وممثلين لشركات شحن ومستوردين، الصورة التاريخية للدولة اللبنانية ومؤسساتها، الموسومة باللامبالاة أمام مصالح الناس والخزينة، وتقاعس مسؤوليها، وخصوصا في الأزمات الوطنية والحالات الاستثنائية الكبرى. أين الدولة؟ ولمَ يتكدّس في مرفأ بيروت وحده نحو 6600 مستوعب حاليا؟ ولماذا لا يتابع موظفو الوزارات المختصة مهماتهم الحيوية لتسهيل إخراج البضائع والمستوردات، وخصوصا المواد الغذائية؟
يعي الجميع الظروف الأمنية والاجتماعية التي يكابدها موظفو القطاع العام، أسوة بغالبية الشعب اللبناني، إلا أن مصادر متابعة تؤكد أن “لا حجة أو عذر أمام الأمن الغذائي والاجتماعي للبنانيين. ولا تبرير مسموحا مهما أسند بالظروف الأمنية، لإبقاء مستوعبات المواد الغذائية والاستهلاكية مكدسة في المرافئ، وتعليق إخراجها، بسبب البيروقراطية المقيتة في مؤسسات الدولة، وعدم اكتراث موظف من هنا أو مدير من هناك لثقل ما يجري، وما قد يستتبعه”.
فهل من خطة طارئة لإخراج البضائع من المرافىء فيما البلاد تعيش حال طوارىء فرضتها الاعتداءات الإسرائيلية عليها؟
اجتماعات للمعالجة؟
بناء على توصية من رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي لجميع المعنيين بالمرافق الجوية والبحرية من مطار رفيق الحريري الدولي ومرفأي بيروت وطرابلس وكل المرافىء، عقد الوزير حميه اجتماعا في حضور رئاسة المجلس الأعلى للجمارك والمديرية العامة للجمارك والمعنيين من القطاع الخاص وخصوصا مستوردي المواد الغذائية ومخلصي البضائع والوكلاء البحريين ووسطاء النقل وشركات الشحن الخاصة المعنية بالشؤون البحرية والجوية، وكان بحث في سبل التعجيل في إخراج البضائع وخصوصا تلك التي تمس حياة الناس يوميا، والتعاون مع الأجهزة العاملة في كل المرافق اللبنانية البحرية والجوية.
وقد وعد حميه بعرض هواجس المجتمعين على مجلس الوزراء، وخصوصا في ما يتعلق بالوزارات المعنية، لاتخاذ القرارات المناسبة. فالهدف الأساسي وفق ما قال “الإسراع في إخراج البضائع من المرافق الجوية والبحرية التي تعمل بجميع موظفيها على كامل الأراضي اللبنانية”. وأكد لـ”النهار” أنه تواصل مع الوزارات المعنية، على أن يطرح الموضوع في جلسة مجلس الوزارء اليوم، “بعد أن نضع الإخراج المناسب له وخصوصا بالنسبة إلى آلية عمل الوزارات المعنية مع الجمارك”.
ماذا عن وتيرة العمل في مرفأ بيروت؟ المدير العام للمرفأ عمر عيتاني أكد لـ”النهار” أن “إدارة المرفأ قادرة حتى اليوم على تلبية كل الخدمات والحاجات”، موضحا أن “عمليات الاستيراد والتصدير كما وتيرة العمل لا تزال طبيعية جدا. وبدأنا الآن التعجيل في إخراج السلع والبضائع من المرفأ بالتعاون مع الوزارات المعنية”.
وفي السياق، أشار إلى اجتماع عقد الأسبوع الماضي مع غرفة التجارة والصناعة والهيئات الاقتصادية، وتم الاتفاق على تسريع وتيرة العمل لإخراج البضائع، على أن يصار إلى تخزينها في مستودعاتهم في المرفأ. كذلك عُقد اجتماع في هذا الإطار مع الجهات المعنية التي يصب دورها في إطار تسهيل عمليات إخراج البضائع بالتنسيق مع الوزارات المعنية، على أمل أن يصدر قرار في هذا الإطار عن الحكومة لحض الوزارات على تأمين المداومة في إداراتها، وخصوصا تلك التي لديها مندوبون تناط بهم عملية منح تأشيرات في المرفأ، كوزارات الزراعة والاقتصاد والصحة والصناعة والبيئة”.
هل من خطة في هذا السياق؟ أجاب عيتاني بأن “إدارة المرفأ كما كل القطاعات المعنية في انتظار ما سيصدر عن الحكومة في هذا الإطار”، مؤكدا أن “المرفأ مرفق اقتصادي يعمل بكل مسؤولية على تأمين حاجات البلد”.
حاليا ثمة 6600 مستوعب في مرفأ بيروت، في انتظار الانتهاء من الإجراءات اللازمة لتسليمها إلى أصحابها من المستوردين والتجار. هذا الرقم، وإن يكن عاديا، إلا أنه يعكس الحركة الطبيعية للاستيراد في لبنان في الأيام الطبيعية، لكنه غير مقبول في ظروف استثنائية يعيشها لبنان.
وأشار رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي لـ”النهار” إلى أن “البيروقراطية المعتادة يمكن أن نتقبلها في الأيام العادية، أما في ظل هذه الأوضاع فعلى الجميع التعاون لتسهيل إخراج البضائع المكدسة في المرفأ”.
أين تكمن المشكلة؟ أوضح بحصلي أن “المشكلة ليست في الإجراءات المطلوبة من الجمارك أو إدارة المرفأ، بل في الوزارات المعنية ومراكز الفحوص والمختبرات على خلفية النقص في الموظفين ودوام عملهم الذي يقتصر على أيام محددة في الأسبوع”.
وأوضح أن الآلية والإجراءات لإخراج البضائع من البواخر وصولا إلى إجراء الفحوص وتسليمها إلى التاجر كانت تتطلب في الأيام العادية نحو 5 أيام، أما حاليا فتستغرق بين أسبوع وأسبوعين، وهذا غير مقبول”، لافتا إلى أن “الوقت غير مناسب حاليا للبيروقراطية المعتادة، وتاليا يجب اختصار الإجراءات. أما الحلقة الأضعف فتتعلق بعدم نزول عدد أكبر من موظفي الوزارات المعنية إلى العمل يوميا، في حين أن المطلوب أن يداوم هؤلاء سبعة أيام في الأسبوع لتعجيل وتيرة العمل وخصوصا في المختبرات، مع تحديد مهلة يومين على الأكثر لصدور النتائج، على أن يُعطوا كامل حقوقهم والحوافز التي يستحقونها. كذلك، يمكن اختصار الفحوص المطلوبة، إذ ليس من الضروري إجراء فحوص كل مرة لشحنات البضائع المعروفة المصدر وخصوصا من الشركات العالمية، فليكن الفحص انتقائيا أو أقله مرة واحدة لكل أربع شحنات من النوعية والمصدر عينهما”.
وطمأن بحصلي إلى أن “لا نقص في المواد الغذائية وهي متوافرة كالمعتاد، وكذلك بالنسبة إلى موضوع الاستيراد حيث يقوم التجار بطلب بضائعهم”.
سلوى بعلبكي -النهار