ظل الغموض يكتنف الوضع الميداني على الحدود بين لبنان وإسرائيل ولم تظهر أي معطيات حاسمة، ففيما تحدثت تل أبيب عن تحقيقها تقدماً برياً محدوداً سجّل في أكثر من نقطة حدودية، نجحت الوحدات المتقدمة خلاله في تقويض أنفاق لـ”حزب الله” على الحدود كان حفرها وجهزها سابقاً، نفى الحزب السردية الإسرائيلية. وذهبت وسائل إعلام اعتادت النطق بلسان الحزب الى تبنّي استنتاج فحواه أن تل أبيب “حاولت تمثيل فيلم على الحدود لكنه كان فاشلاً وإخراجه سيئاً للغاية”، ومضت الى التأكيد أن “كل المعلومات التي ضخها الإعلام العبري عن تقدم بري مجرد مزاعم لا أساس لها من الصحة”.
وبات معلوماً أن القيادة الإسرائيلية قد أعدت المسرح وهيأت الميدان لهذه العملية الى درجة أنها جعلت منها أمراً مقضياً ومحققاً لا عودة عنه وذلك عندما تحدثت عن حشد لوحداتها المحترفة وخصوصاً تلك المجربة في معارك غزة ومواجهات الضفة ونقلها من أماكن بعيدة الى الحدود مع لبنان توطئة لساعة الهجوم.
ولا ريب في أن واقع الحال هذا قد أدخل الراصدين في متاهة التكهن والتخمين بأمداء هذه العملية والعمق الذي يمكن أن تبلغه في الجغرافيا اللبنانية خصوصاً أن إسرائيل سبق أن أوحت بأن هذا الأمر خاضع لمجريات الميدان، إذ يمكن لهذه القوات أن تبلغ في تقدمها نهر الليطاني أو أن تكتفي باحتلال شريط ضيّق لا يتجاوز الـ5 كيلومترات خدمة للأهداف الكبرى التي وضعتها تل أبيب نصب أعينها وهي:
– الحيلولة دون تكرار تجربة 7 تشرين الأول التي نفذتها حركة حماس في غلاف غزة، على الحدود الشمالية الإسرائيلية، وهي التجربة التي حفرت عميقاً في الوجدان الإسرائيلي.
– إبعاد كل ما يشكل عنصر تخويف وترهيب لمستوطني الشمال ويمنعهم من العودة الى منازلهم التي هجروها منذ بداية المواجهات.
– أما الهدف الأكبر عند الإسرائيليين فقد بات توجيه ضربة ساحقة لـ”قوة الرضوان” الذراع العسكرية النخبوية للجسم المقاتل عند الحزب وهي القوة التي صوّرها الاعلام العبري “أسطورة” لكونها دُرّبت وانوجدت من أجل يوم يقرّر فيه الحزب اقتحام منطقة الجليل الأعلى.
– وفي ضوء النتائج التي انتهى إليها اليوم الأول للعملية البرية التي أكدت إسرائيل أنها قد فتح أبوابها تماماً، لم تثبت أي من المعطيات الواردة أي تقدم أحرزته القوات المقتحمة أو أن هناك ما ينبئ بأن المعادلات الميدانية الحدودية قد طاولها تبديل أو تغيير، ثمة سؤال يُطرح بإلحاح وهو: هل يأتي وقت تصرف فيه إسرائيل النظر عن المضيّ قدماً في هذه العملية بعدما أجرت أول اختبار بالنار وتيقنت من أن ثمة قوة صلبة متماسكة قد حضرت نفسها لالتحام مباشر تتشوّق إليه ثأراً لما نزل من خسائر مادية أو معنوية بها خلال الأسابيع الماضية من جراء توالي الضربات الإسرائيلية على رأسها؟ أم أن ما حصل لن يثني إسرائيل عن تكرار تجربة الاقتحام البري السادس للأراضي اللبنانية خصوصاً أن ثمة من قدر في السابق أن الجيش الإسرائيلي بات منهكاً بفعل المواجهات الضارية التي خاض غمارها في غزة والضفة الغربية وصار عاجزاً عن المضيّ في مثل هذه العملية غير المأونة العواقب والنتائج؟
للإجابة عن هذه التساؤلات يقدم الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد إلياس فرحات رؤية تتضمن إحاطة شاملة للموضوع يؤكد فيها أن الإسرائيلي لم يعد يملك خيار التراجع عما لوّح به منذ أسابيع وعما بدأه، ويقول في اتصال مع “النهار”: يبدو جلياً أن مجلس الوزراء الإسرائيلي أقر تنفيذ عملية اقتحام بري للأراضي اللبنانية. مضافاً الى هذا إن قائد المنطقة الشمالية أوري غورين أوضح أن القرار المتخذ يقضي باحتلال شريط بعمق 8 كيلومترات. والمعلوم أن هذا الطرح لقي تأييداً كلياً من معظم القيادة العسكرية ومن كل القوى السياسية الإسرائيلية أي إن هناك إجماعاً إسرائيلياً على هدف واحد هو القضاء على “حزب الله”. ولا بد من أن نذكر أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أعطى موافقته على هذا التوجه، وهذا يعني أن هناك غطاءً كاملاً من واشنطن”.
أضاف “كان من المفترض أن تبدأ هذه العملية فجر يوم الأول من أيلول الماضي ولا سيما بعدما رُصدت تحشدات إسرائيلية مكثفة وخصوصاً الفرقة 98 التي تُعدّ من أفضل الفرق الإسرائيلية التي قدمت أداءً عسكرياً مميزاً في معارك غزة الأخيرة. لكن ما نلاحظه أن الحشود الإسرائيلية على الحدود مع لبنان هي أقل من عديد الحشود التي دفع بها الى غزة وهذا مؤشر على أمر أساسي هو أن العملية المنتظرة قد تكون محدودة أو تكون مقدمة للإتيان بالمزيد من الوحدات لاحقاً إن اقتضى الأمر”.
يستطرد فرحات “إن تفاصيل الميدان في اليوم الأول الذي أعلنته إسرائيل لهذه العملية تشهد على أن أياً من القوات الإسرائيلة لم تدخل بعد الأراضي اللبنانية وتشهد أيضاً بأن مقاتلي الحزب كانوا حاضرين ومستعدين خصوصاً أنهم أمطروا القوة الإسرائيلية بالصواريخ وقذائف المدفعية”. ويخلص الى استنتاج فحواه “أن إسرائيل تيقنت بعد اليوم الأول من سقوط اعتقاد بنت عليه وهو أنها لن تجد من يقاتلها عند الحدود إذا ما بدأت الاقتحام البري، بناءً على قرءاة فحواها أن الحزب ربما أصابه الإنهاك بعد اغتيال أمينه العام السيد نصرالله وأن هذا الأمر يتعين استغلاله من الجانب الإسرائيلي لممارسة مزيد من الضغوط الميدانية وغير الميدانية على الحزب وبيئته. لكن صمود مقاتلي الحزب على الحدود واستمرارهم في إطلاق الصواريخ فرمل الاندفاعة الإسرائيلية وتوقف الحديث الإسرائيلي عن سحق الحزب ليصير حديثاً عن عملية محدودة لم تبدأ بعد ميدانياً”.
ابراهيم بيرم – النهار