دخلت الحرب الاسرائيلية على لبنان مساراً جديداً مع إعلان جيش العدو الإسرائيلي ليل الاثنين أنه بدأ عملية برية محدودة جنوبي لبنان وحشده 4 ألوية مدرعة ومثلها ألوية مشاة وفقا لقرار المستوى السياسي، فانشغل الداخل اللبناني باستعادة مشاهد الاجتياح في العامين 1978 و 1982، والانسحاب في العام 1985، وحربي 1993 و1996 وتحرير جنوب لبنان في العام 2000، ثم عدوان تموز 2006.
ومما لا شك فيه أن العدو الاسرائيلي سيكثف قصفه الناري براً وجواً على المناطق في محاولة إلحاق خسائر بعناصر حزب الله، لكن الأخير نجح منذ بدء التوغل البري في توظيف قدراته فألحق خسائر بعناصر جيش العدو، وأثبت مجدداً أنه لا يزال يمتلك القدرة والسيطرة وسوف يعمل على استنزاف جيش العدو، وقد أعلن نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم يوم الاثنين الماضي، في أول كلمة له بعد استشهاد السيد حسن نصر الله أن “ما نقوم به هو الحدّ الأدنى من خطة متابعة المعركة وما يتطلّبه الميدان”. كما أكد «أننا سنواجه أي احتمال،والمقاومة جاهزة للاقتحام البري، ونعلم أن المعركة ستكون طويلة، ومستعدون لمواجهة أي احتمال”.
ثمة تفاهمات أميركية – إسرائيلية وفق موقع إكسيوس أن نطاق العمل البرّي سيقتصر على مناطق جنوب لبنان الحدودية، وثمة قلق في البيت الأبيض من انزلاق العملية المحدودة إلى شيء أكبر وأطول أجلاً. وبحسب ما أعلن مسؤول أميركي،لشبكة CNN فإن “القوات الإسرائيلية من المفترض أن تنسحب بعد عمليات التوغل التي تمت الثلاثاء”، مؤكدا أن أميركا تعتقد أن العملية “لن تشبه حرب 2006 التي استمرت 34 يوما، بل نسخة مخففة بشكل كبير منها ومما كان مخططا له مسبقا”.
وما هي حدود التوغل البري ؟ وما هي قدرة الجيش الإسرائيلي على تفكيك بنية حزب الله ؟ وهل تبقى البنى التحتية اللبنانية بمنأى عن الاستهداف؟ وهل يواجه الجيش الإسرائيلي اخفاقاً كبيراً على الارض في الجنوب فيعمد إلى فرض حصار بري وبحري وجوي على لبنان؟
يقول القيادي في الحزب التقدمي الاشتراكي وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية وليد صافي لـ”لبنان24″ إن محاولات التوغل البري بعد الإعلان عن عملية “النظام الجديد”، ليست مفاجئة، إذ أن النقاش في هذه المسألة بين المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل اخذ اشهراً طويلة. وبالنتيجة جاء الحسم لمصلحة التدخل البري. ومن بين الاسباب التي أدت إلى هذا الخيار الخبرة التي اكتسبها الجيش في حرب غزة ، وحاجة الجيش ليمسح من ذاكرة الاسرائيليين، الصفعة الكبيرة التي تلقاها في حرب تموز، وإعادة الثقة بوحدات النخبة والمشاة والمدرعات على غرار الثقة الكبيرة التي يمنحها الاسرائيليون إلى القوات الجوية. ويبدو أن “حساب الحقل لم يكن على قدر حساب البيدر “كما يقال. فالتقديرات الاسرائيلية بأن الضربات التي تلقاها حزب الله منذ السابع عشر من ايلول، باغتيال السيد نصرالله، وتصفية القيادات من الصف الاول والثاني لاسيما قيادات وحدة الرضوان، كانت كفيلة بانهيار نظام القيادة والسيطرة،بالاضافة إلى تدمير خمسين بالمئة من القدرة الصاروخية. وبالتالي اعتقد الاسرائيليون أن “وحدة الرضوان” قد تكون فقدت المبادرة وضعفت معنوياتها، الأمر الذي يستدعي إزالة المخاوف من التوغل البري. لكن الكمائن التي تعرضت لها وحدات النخبة الاسرائيلية في بلدتي العديسة ومارون الرأس والتي ادت، باعتراف الجيش الإسرائيلي إلى مقتل ثمانية ضباط وجنود وجرح العشرات، قد قوّضت التقديرات الاسرائيلية التي سبق ذكرها، إذ تبين أن افراد “وحدة الرضوان” ما زالوا يملكون المبادرة والقدرة على المواجهة وتنسيق النيران بشكل أعاق تقدم قوات النخبة الاسرائيلية والحق بهم خسائر بشرية مهمة .
ويقول عاموس هرئيل في “هآرتس” في مقال بعنوان “الهجوم الصاروخي الواسع وغير المسبوق ليس سوى بداية الحرب الإقليمية“، “أن الجيش الاسرائيلي يواجه مشكلتين كبيرتين ، تذكّران بما واجهه الجيش الإسرائيلي في غزو قطاع غزة في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي: الاولى تتعلق بأنه “لا تعتمد مقاومة العدو على أنظمة عسكرية معقدة ومنهجية، إنما على خلايا حرب عصابات متمركزة جيداً في مناطق حيوية، ويمكنها أن تسبب خسائر للجيش الإسرائيلي. والثانية، هي البُعد الزمني؛ إذ استغرق تنفيذ خطة الجيش الإسرائيلي في القطاع وقتاً أطول كثيراً مما كان متوقعاً، لأن الجمع بين المناطق المبنية والمجمعات تحت الأرض أطال العملية وجعلها أكثر تعقيداً. ومن ينتظر هنا اندفاعاً للدبابات في جنوب لبنان، على غرار ما حدث في إبان حرب الأيام الستة في سيناء، سيصاب بخيبة أمل”.
بالطبع ليس من المتوقع، وفق دكتور صافي، أن توقف إسرائيل العملية البرية مجرد تلقي وحداتها هذه الخسارة الموجعة في اول ايام التوغل، أو مجرد مواجهة مثل هذه العوائق ، لانهم على ما يبدو قرروا دفع الثمن في مقابل العوائد السياسية التي يعتقدون بأنهم سيحصلون عليها من العملية البرية.
فما هي السيناريوهات المحتملة ؟
تحدث تامير هايمن في مقالة نشرت على موقع N12 العبرية بعنوان “المناورة البرّية التي بدأت في الحدود يمكن أن تنتهي في بيروت“، عن عدة سيناريوهات : الاول “أن لا يتجاوز التوغل البري القرى الموازية لخط التماس بحيث يتم إحباط قدرة حزب الله على تنفيذ اقتحامات”، شبيهة بما جرى في غلاف غزة في تشرين الاول الماضي،
الثاني،”توسيع أهداف المناورة لتشمل إحباط القدرة على إطلاق الصواريخ بصورة مباشرة، فإن الحديث سيدور بشأن حدود الحزام الأمني سابقاً”، والثالث، “توسيع الأهداف لتتمثل في إحباط القدرة على إطلاق الصواريخ والقذائف، فستتوسع المناورة حتى بيروت وأكثر “.
وتحدثت سيناريوهات عدة عن إمكانية تقدم المدرعات الإسرائيلية إلى منطقة المصنع، أو التقدم من جهة الجولان وصولاً إلى تطويق العاصمة السورية، وذلك بالتوازي مع التقدم إلى مجرى الليطاني وربما أبعد.
إن نجاح أي من هذه السيناريوهات، يعتمد، بحسب صافي، بشكل أساسي على قدرة قوات “المقاومة الاسلامية” على الاستفادة من التضاريس الجغرافية وإحباط التقدم في عمق الجنوب ، أو على الاقل تأخيره مع تدفيع قوات النخبة الاسرائيلية ثمّناً بشرياً كبيراً، وربما مثل هذا السيناريو إذا ما حصل يساعد في إنزال نتنياهو عن الشجرة وفتح الطريق نحو التسوية السياسية.
ويشير صافي إلى أن الرهان على الاميركيين في الضغط على نتنياهو لوقف الحرب هو بمثابة الوهم، لذلك من المتوقع أن تستمر الحرب لفترة طويلة.