“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
هناك سباق يدور بين الحرب والحلّ السياسي. في تل أبيب يقف بنيامين نتنياهو معلناً أنه يريد تغيير وجه الشرق الأوسط. في بيروت التي تنام على غارة وتستيقظ على أخرى، وقف كلّ من نبيه بري نجيب ميقاتي ووليد جنبلاط، ودعوا إلى وقف فوري لإطلاق النار وإرسال الجيش إلى الجنوب وتطبيق القرار 1701 وانتخاب رئيس جمهورية توافقي، ثم لحقهم بعد يوم وزير الدفاع موريس سليم معلناً أن لبنان أعلن موافقته على وقفٍ فوري لإطلاق النار. المشكلة تبقى في من يستطيع إقناع نتنياهو بالقبول بوقف النار وإيقاف حربه، بما يسمح بتطبيق القرار 1701 وإرسال الجيش إلى الجنوب، والإقلاع عن فكرة احتلال الجنوب واقتلاع “حزب الله” منه!
ثمة اقتناع في بيروت أننا بحاجة الآن إلى التوصل لقرار بوقف إطلاق النار. الرئيس بري يعلنها صراحةً بأنه صاحب مصلحة، إنما يدفع في هذا الإتجاه، لكنه ببراغماتيته المعهودة يقرّ بأن المشكلة تبقى في كيفية إقناع نتنياهو بهذا المطلب. يُفهم إذاً أن الحراك الداخلي في هذا المجال، يقوم على فكرة قطع الطريق على رئيس حكومة العدو تحقيق أمنياته. في الطريق إلى وقف النار، تُستغلّ حالة الحرب من أجل التوصل إلى تفاهمات داخلية حول مشكلات عدّة من بينها انتخاب الرئيس. بالأمس زار النائب وائل أبو فاعور معراب والتقى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، مبعوثاً من النائب السابق وليد جنبلاط، وخلال الساعات المقبلة من المتوقع أن يُرسل رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، موفداً إلى بنشعي للقاء رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، والإتفاق معه حول الملف الرئاسي. وربما تؤسِّس هذه الجولات إلى فكّ عقّدة رئاسية أساسية تمهيداً لدعوة بري لجلسة انتخاب. تبقى المشكلة في مدى احتمالية إقلاع بعض الأطراف السياسية عن قضية الرهان على كسر الحزب عسكرياً، بما قد يؤدي إلى تغيير المعادلات الداخلية، أي كسره سياسياً، والقبول بالذهاب، الآن، إلى انتخاب رئيس.
المشكلة على ما يُردّد البعض، أن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله اغتيل ولم يعد موجوداً، وهو كان المعروف عنه براغماتيته وتفهّمه. ولعلّهم يقصدون أن من يُدير الدفّة السياسية الآن لدى الحزب، ليس على جدول أعمالهم ملفاً رئاسياً أو غير ذلك، إنما التشدّد في الجنوب، والتركيز على العملية البرية لتغيير المعادلات الحاكمة للمشهد.
في القضية السياسية أيضاً، ثمة من يتهيّب اللحظة، ويسرع في محاولة التأسيس لحلول، ليس بسبب الحرب فقط ومخاطرها ومخططاتها واحتمال توسّعها ودخول لبنان في حصار متعدّد الأطراف يأتي كمرحلة ثانية من الحرب، إنما لأسباب أخرى تعود إلى دهم المهل المتعلِّق منها أيضاً بانتهاء الولاية الممدّدة لقائد الجيش العماد جوزاف عون، كمرشّح رئاسي وكقائد للجيش موكل إليه مهمة الذهاب إلى الجنوب في المرحلة القادمة.
بعيداً عن ذلك، تدخل قضية الجيش وتحضر مسألة إرساله إلى الجنوب وتُستولد معها مخاوف ومخاطر وقضايا واقعية لا بدّ من مناقشتها.
في الأساس، لا مشكلة في ذهاب الجيش اللبناني وبأعداد كبيرة إلى جنوب الليطاني. أساساً الجيش متواجد هناك منذ عام 2006 وبأعداد مقبولة من دون أن يواجه مشاكل قبل أن يتقرّر على نحو متدرّج تخفيض عديده حتى بات يلامس الآن الـ4000 عنصر. المشكلة ليست في وجود الجيش، إنما في استخدام مصطلح “الإنتشار جنوب الليطاني” والمكان الذي يتمّ وضع المصطلح فيه والغاية التي يستخدم لأجلها، وسط رهانات البعض على أن يحلّ الجيش بديلاً عن المقاومة، أو هكذا يريد البعض أو يطمح. والمشكلة الأكبر تكمن في النوايا المبيّتة، ليس لدى الجيش، إنما من جانب بعض السياسيين الذين قد يستأنسون كلما وضع بند نشر الجيش جنوب الليطاني على جدول الأعمال، وكلما ارتفع عدد المتفاعلين معهم من جانب العسكر.
بالنسبة إلى المقاومة، لم تكن يوماً ضد وجود الجيش في الجنوب، ولم تنظر إلى وجوده على أنه علّة. والآن عندما طُرح بند إرسال تعزيزات من الجيش إلى جنوب الليطاني لم تكن رافضة، لكنها اشترطت وضع سيناريو واضح.
طوال الحقبة الماضية تعاملت وتفاعلت المقاومة مع الجيش إيجاباً، وفي بعض الحالات تشاركا سوياً في الأداء الميداني، وفي التنسيق وصولاً للمشاركة في الدم أيضاً. وخلال المواجهة الحالية ثبتا هذه القضية وتلاحما سوياً أكثر مما مضى.
الخشية تبقى (وهذا حق) في المهمة المرسومة للجيش، أو عملياً ما يريده العدو فعلاً أو الغرب أو الآخرون من هذا الجيش.
إسرائيل أعلنت بكل وضوح أنها تقبل وجود الجيش في جنوب الليطاني وأن يستلم الأمن هناك. قضية أسّست إلى مخاوف حول ما تخطِّط له إسرائيل بالضبط، واحتمال أن تُدخل الجيش في فتنة بين أهل الجنوب والمقاومة من جهة، والمؤسسة العسكرية من جهة أخرى، عبر الإيحاء المتكرّر بأن الجيش يملء الفراغ جنوباً. وثمة شواهد كثيرة من التاريخ تجوز العودة إليها لأخذ العِبر.
من ينظر في فنجان الدول الراغبة في إرسال الجيش إلى جنوب الليطاني، يجد أنهم يريدون تحقيق عدة شروط، منها ما ورد في القرار 1701 ومنها ما لم يرد ويُراد إدخاله في قرار جديد يُعمل عليه.
تريد هذه الدول حقاً تحويل الجيش إلى حامي حدود لـ”إسرائيل”، بحيث تصبح مهمته التنسيق مع قوات “اليونيفيل” (المعززّة أيضاً) ومواكبتها في تفتيش القرى والمنازل والأحراج التي تشتبه بوجود شيءٍ ما فيها. ما يريده العدو أيضاً أن يتحوّل هذا الجيش “جوّالة” يتولّون ملاحقة عناصر المقاومة إن وجدوا، وأن لا يكون الجيش في مواجهة أي احتمال لتقدم قوات العدو إلى قرية أو مكانٍ ما يشتبه بوجود أي أمر فيه. ما يُفهم أن العدو يريد حقاً تحويل جنوب لبنان إلى ضفة غربية ثانية.
هذا تحديداً ما يرفضه “حزب الله”، والأكيد أن قيادة الجيش والضباط والجنوب والتشكيلات سترفضه أيضاً… إلا ّإذا!
في الخاتمة، لا مشكلة لدينا جميعاً في استلام الجيش الأمن في الجنوب وكل الجنوب، ولكن قبل ذلك كله لا بدّ من استعادة الجيش لصورته وهيبته عبر تفضّل الدولة بتقديم الأموال والمساعدات للجيش والكفّ عن سياسة “الشحادة”، بما يؤدي لخروجه من دائرة الضغط المسماة 100 دولار في الشهر! إستفيدوا من الجو الحاصل وطالبوا بتسليح الجيش، ليس المطلوب منحه سلاحاً كاسراً للتوازن، إنما يكفي سلاح يحمي جنوده ويحمي القرى اللبنانية!