ما أن اغتالت “إسرائيل” الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله ، حتى أعلنت حكومة العدو أنّها تنوي “إلغاء اتفاقية الغاز مع لبنان”، في محاولة لتغيير المشهد البحري الاقتصادي الذي جرى الاتفاق عليه مع لبنان منذ نحو عامين. وقال وزير الطاقة “الإسرائيلي” إيلي كوهين إنّ “اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان كانت خطأ، وسنحرص على إصلاحها”، وأنّه “يبحث عن ثغرة لإلغاء هذه الاتفاقية “الفاضحة” مع لبنان”.
وفور هذا الإعلان أبدى عدد من الخبراء والعسكريين اللبنانيين المدافعين عن الخط 29 تفاؤلاً في استعادة بعض الحقوق البحرية التي خسرها لبنان في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع “إسرائيل”، التي وُقّعت في 27 تشرين الأول 2022. فهل يمكن للعدو نقض هذه الاتفاقية الرسمية أو إصلاحها؟ وهل هذا الإصلاح يعني استعادة لبنان لحقوقه؟ أم على العكس انتزاع منه ما حصل عليه في الاتفاقية المذكورة، ومحاولة التعدّي أكثر على حقوقه البحرية من خلال العودة الى الخط 1، الذي سبق وأن طالب به “الإسرائيلي” لسنوات عن غير وجه حقّ، والذي يقضم مساحة شاسعة من حقوق لبنان البحرية؟!
يتمنّى بعض الخبراء والعسكريين في الواقع، أن يتمّ نقض اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع “إسرائيل” التي تخلّت عن الخط 29 البحري، بهدف استعادته بالدرجة الأولى. ويجدون في أنّ إلغاءها إذا كان صحيحاً، يُعتبر “هدية من الله” للبنان، لا سيما في هذه الظروف المأسوية التي يمرّ بها. فهل يستطيع “الإسرائيلي” إلغاء هذه الاتفاقية “المجحفة” من طرفه هو؟! يقولون انّه يمكن للدولة اللبنانية تعديل المرسوم 6433، والتمسّك مجدّداً بالخط 29 الذي يُعيد للبنان مساحة بحرية تبلغ 2430 كلم2، وأكثر من ذلك. كما يمكنها اللجوء الى محكمة العدل الدولية وتقديم شكوى الى مجلس الأمن حول اعتداء “إسرائيل” على مياهنا الإقليمية، ومخالفتها للقانون الدولي للبحار. ويقولون ماذا بقي لدينا لنخسره بعد كلّ هذا السيل من الدماء؟!
غير أنّ مصدراً ديبلوماسياً متابعاً لقضايا الحدود يجيب عن سؤال حول إذا كان بإمكان “الإسرائيلي” إلغاء “اتفاقية الغاز مع لبنان” متى يشاء، ومن طرفه وحده دون موافقة الدولة اللبنانية، بالقول إنّ هذه الاتفاقية التي وُقّعت من قبل لبنان و”إسرائيل” منذ عامين تقريباً برعاية الولايات المتحدة الأميركية ووساطة آموس هوكشتاين، وأودعت لدى الأمم المتحدة من كلّ من الجانبين، قد ثبّتت حدود لبنان البحرية الرسمية. ولهذا فمن المستحيل اليوم تغييرها من دون اتفاقية جديدة ومفاوضات جديدة، أي من دون موافقة الطرفين. هذا بغض النظر عمّا إذا كانت لمصلحة لبنان أم لا. علماً بأنّ لبنان منذ العام 2011 كان يطالب بالخط 23 رسمياً وظهرت مطالبته بالخط 29 عند بدء المفاوضات خلال الفترة التي سبقت توقيع الاتفاقية. وقد أصبحت حدود لبنان البحرية الرسمية، وفق ما تنصّ عليه بنود هذه الاتفاقية، على غرار ما هي عليه حدوده البريّة المعتمدة في اتفاقية “بوليه – نيوكومب” في العام 1923، واتفاقية الهدنة في العام 1949، ولا يمكن بالتالي تخطّيها أو تغييرها من أي جهة دون الأخرى.
أمّا إذا أراد “الإسرائيلي” تغيير الاتفاقية بالقوّة أي من خلال التوغّل أو الاجتياح البرّي لمنطقة الليطاني أو لما وراء الليطاني، على ما أوضح المصدر الديبلوماسي، بهدف العودة الى الخط 1، وبالتالي تبرير مطلبه البحري الجديد، أو ما يُعرف أيضاً بالخط 360 درجة (الذي هو مقابل سواحل بيروت) الذي طرحه الوفد “الإسرائيلي” في الناقورة، بعد أن فاجأه الوفد العسكري اللبناني بالخط 29، فإنّ هذا الأمر سوف يُعتبر “احتلالاً” جديداً للأراضي اللبنانية. وهذا لا يامكن تثبيته رسمياً في الأمم المتحدة، لا بل على العكس يمكن للبنان الاعتراض عليه والعودة الى الاتفاقية المودعة لدى الأمم المتحدة.
من هنا، ثمّة تكهّنات عديدة نسمع بها حالياً، على ما أضاف المصدر، تتحدّث عن أنّ إلغاء “الإسرائيلي” لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية، بهدف تغيير خريطة الحدود البريّة مع لبنان، وبالتالي احتلال الجنوب والاستيلاء على موارده المائية، وضمّه الى حلم مشروعه التوسّعي، كما سبق وأن ضمّ الجولان السوري. ولهذا عمل على تهجير سكّان الجنوب من منازلهم، واغتال السيّد نصرالله لتسهيل مخططه هذا. كما قام بحشد قوّاته عند الحدود الجنوبية ويُلوّح بشنّ توغّل برّي قريباً من أجل الاستيلاء على الأراضي اللبنانية وضمّها وبناء المستوطنات للتغيير السكاني في المنطقة… كذلك يعتبر “الإسرائيلي” أنّ الفرصة الانقضاضية سانحة اليوم أمامه لرفض القرار 1701 الذي سبق وأن طالب بتنفيذه، ورفض بالتالي عودة سكّان الجنوب الى قراهم، كونه يعتبرهم بيئة حاضنة لحزب الله. غير أنّ كلّ ما يُقال في هذا السياق، لا يزال في إطار التوقّعات التي لن تتحقّق، سيما أنّ المجتمع الدولي لن يوافق على مثل هذا الاعتداء على الأراضي اللبنانية الذي يخرق السيادة اللبنانية، كما القرار 1701 الذي يطالب الجميع بتطبيقه اليوم بكلّ بنوده ومندرجاته، للضغط على “إسرائيل” لوقف الحرب، والذهاب الى حلّ ديبلوماسي يُنهي الصراع القائم.
أمّا إذا وافق لبنان على مراجعة اتفاقية الغاز مع “إسرائيل”، فهذا يعني، بحسب المصدر الديبلوماسي نفسه، أنّه بإمكان الدولة اللبنانية عندئذ قلب الطاولة من جديد على”الإسرائيلي”، وتحصيل المزيد من الحقوق المسلوبة، لا سيما حقل كاريش وأبعد منه. لكنّه في الوقت نفسه حذّر من العودة الى نقطة الصفر، بعد أن تمكّن لبنان من الحصول على الخط 23 الذي سبق وأن طالب به لسنوات، سيما أنّ “الإسرائيلي” تحدّث عن “البحث عن ثغرة في اتفاقية الغاز”، ما يعني أنّه لم يجدها حتى الآن، أو لعلّها غير موجودة فيها. كما نبّه المصدر الى المخطط الذي يضعه “الإسرائيلي” نصب عينيه وهو الدخول الى جبل الشيخ، سيما أنّ المنطقة خالية من السكّان، والأوضاع مناسبة من وجهة نظره، والولايات المتحدة الأميركية تدعمه، من أجل السيطرة عليه واستغلال موارده المائية عنوة.
دوللي بشعلاني – الديار