“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
تجارب الماضي في لبنان تؤكد صعوبة عزل أي مكوّن وإن في الإقدام على هذه الخطوة محاذير بوسعها نقل البلد إلى مشكلة كبيرة. الآن، هل ثمة رهان ما من مكان ما على عزل أو محاولة عزل “حزب الله” ومن خلفه عموم الشيعة بادعاء أن الحزب قد خسر الحرب رغم أن المعركة ما تزال في بدايتها؟ أمّا الشقّ الآخر من السؤال، هل يراهن أحدٌ ما من مكانٍ ما على نقل البلاد سريعاً إلى مشكلة أو أزمة كبيرة؟
من الواضح أن ثمة تيارات سياسية وغير سياسية داخلية منتشية الآن بفعل ما تقول إن تغييراً طرأ في موازين القوى، نجم عن اغتيال إسرائيل السيّد حسن نصرالله وعن الضربات المتتالية التي تلقاها الحزب، وتريد تقريشها تغييراً داخل المعادلة السياسية اللبنانية. من الواضح أيضاً أن البعض يُسرع بعض الشيء في محاولة جني الأثمان على اعتبار أن الفرصة باتت سانحة الآن، متجاهلاً أن الحرب ما تزال في بدايتها وأن ما يقرّره الميدان هو الكفيل بحسم المشهد. ولا بدّ من الإشارة إلى أن هذه الفرق تُسرع في مسعاها لتحقيق الأجندة الموضوعة خشية تبدل سريع في التطورات بفعل احتمال الإنزلاق إلى “حرب إقليمية” أو تمكّن الحزب من إحباط المشاريع الإسرائيلية في الميدان. وفي اعتقاد البعض أن هذا الإنتقال قد يكون مهيّئاً بفعل رفض قوى كإيران خسارة “حزب الله”، ما يدفعها إلى التحرك. بناءً عليه يُسرعون في الدفع قدماً صوب إجراء بعض الترتيبات الداخلية ويعبّرون عن رغبتهم بأن لا تطول مدة المعركة أكثر من أسابيع معدودة.
بالنسبة إلى المقاومة المشغولة الآن في الميدان، تُدرك جيداً آثار المخاطر السياسية الداخلية الناجمة عن رهانات البعض. لذلك انبرت خلال الأيام الماضية للدخول في التحام سياسي ، سواء عبر الشاشات أو من خلال الجولات بما في ذلك استعادة التواصل السياسي. وهذه الخطوة أتت بفعل قناعة واضحة من أن قوىً بات تُراهن على غياب الحزب من أجل تصريف أمور سياسية قد لا يرضى بها الحزب، أو آخرون يعتقدون أو باتوا كذلك من أن ابتعاد الحزب عن الحركة السياسية نابعٌ من ضرب تأثيره السياسي.
إيران تتدخل!
ترتبط زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي إلى بيروت تحديداً في المساهمة بشدشدة الموقف السياسي اللبناني الرسمي بعدما لوحظَ أنه اهتزّ بعض الشيء نتيجة الضربات المتتالية التي تعرّضت لها المقاومة. وفُهم أن الزائر الإيراني أكد جهوزية واستعداد طهران لمواصلة دعم لبنان لا بل مستعدة لما هو أكثر وأكبر في حال تطورت الأمور عسكرياً. ومن المواقف السياسية التي عبّر عنها عرقجي خلال جولته السياسة، أن إيران انتقلت إلى تقدير سياسي وعسكري مختلف بعيد اغتيال السيد نصرالله، والتعبير الأقوى عن هذا التغيير، الأداء الذي ترافق مع الرد الإيراني الثاني المسمّى “الوعد الصادق – 2”.
عملياً لا بدّ من دعم ومؤازرة الموقف اللبناني، سيما وأن البعض قرأ ضعفاً أو فراغاً نتج عن الضربات التي تعرض لها الحزب وأيضاً غياب أمينه العام، كما أن الفريق نفسه لاحظ رغبة أميركية – أوروبية باستمرار الحرب بدافع توجيه ضربة قاضية للحزب تُخرجه من المعادلة كلياً. فكان الخيار السياسي الرسمي الحالي ليس في السير أو التشارك في طروحات غربية من هذا النوع، إنما الثبات حتى تمرّ الموجة. ويُفهم هنا أن الإعلان الذي تولى تقديمه رئيس مجلس النواب نبيه بري محصّناً بمرجعيتين أساسيتين سُنّية (نجيب ميقاتي) ودرزية (وليد جنبلاط) كان مجرّد إعلان نوايا إيجابية للسير في تسوية يُمكن البناء عليه مستقبلاً حين يتمّ الإتفاق على وقف لإطلاق النار، كما أن لا بدّ من الإشارة إلى أن بري الحذر ممّا يُحاك للبنان وللطائفة الشيعية، بات يرصد وجود نوايا ورغبات بالحد من دور هذه الطائفة داخل المعادلة اللبنانية، أي أن الموضوع يتجاوز بالفعل ضرب وجود الحزب، إنما ضرب وجود طائفة مركزية تكوينية، وأن هذا الأمر يدفعه تارةً لإعلان نوايا سياسية وتارةً أخرى للتشدّد حيال حفظ وجود الطائفة أو ترك العاصفة تعبر.
“حزب الله” يعيد التموضع
من الواضح أيضاً أن معاودة نشاط مسؤولي “حزب الله” سياسياً سيّما النواب منهم، يأتي بفعل رغبة في ملء الفراغ وعدم السماح للآخرين التسلل إلى ملعب الطائفة الشيعية أو محاولة إظهار أنها ضعفت نتيجة ما تعرضت من ضربات. كما أن دخول الحزب سياسياً بهذه الطريقة يقطع الطريق على محاولات داخلية – خارجية لتحضير شخصيات شيعية “وسطية” أو ما يصطلح تسميته شخصيات معادية لفكرة المقاومة، كي تؤمن مقعداً لها في أي تسوية مقبلة، أو هكذا يظن من هو قائم على هذه الافكار، ويتصرف بشكلٍ مبالغ فيه على أن تأثير ثنائي أمل – الحزب قد انتهى!
الضغط بالنازحين
هناك مسألة لا بدّ من لحظها ضمن المسار، وهي ملف النازحين من الضاحية، الجنوب والبقاع.
من الملاحظ أن بعض الفئات تُراهن على استثمار أحوال هؤلاء من أجل استخدامهم كورقة ضغط على المقاومة والحزب، أو بطريقة أخرى جعلهم ورقة ضغط في حال حصول تبدلات معينة على وضعية الميدان الذي تمثله المقاومة بما يعيد الثقل إليها. أي نحن عملياً أمام مشهديتين:
– محاولة الضغط على الحزب والحركة، من خلال البيئة في حال طال أمد الحرب وفقدان القدرة على توفير مساعدات للإستمرار واحتمال تسلل التململ إليها بفعل طول أمد النزوح، مع ملاحظة أننا بدأت نشهد على بعض العيّنات في مناطق معينة.
– العامل الثاني يتصل باستخدام هذه البيئة ضد الحزب والحركة، بمعنى ممارسة التضييق عليها داخل مناطق نزوحها وصولاً إلى محاولة طردهم من مناطق نزحوا إليها لأسباب شتى (طول أمد الحرب، الصعوبة في توفير التقديمات، إنتماءات هؤلاء)، وإحدى العوامل التي يجري التخويف منها الآن تتصل بانتماء بعض أفراد العائلات النازحة للحزب، وتصويرهم على أنهم أهداف محتملة لـ”إسرائيل” ما قد يشكل مخاطر على مناطق النزوح