يُعد ميناء حيفا أحد أهم الموانئ البحرية في دولة الاحتلال الإسرائيلي وأكثرها حيوية من الناحية الاقتصادية والجغرافية. ويلعب هذا الميناء الاستراتيجي، الذي يقع على الساحل الشمالي للبلاد على البحر الأبيض المتوسط، دوراً رئيسياً في التجارة الدولية وحتى “الأمن القومي” لإسرائيل.
ومنذ بداية الحرب في السابع من تشرين الاول 2023 بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، ودخول حزب الله كجبهة إسناد لغزة، أصبحت مدينة حيفا – التي تعد ثالث أكبر مدينة في “إسرائيل” ويبلغ عدد سكانها 300,000 نسمة- في قلب الصراع، حيث هدد “حزب الله” مراراً باستهدافها.
وتقع مدينة حيفا على بعد حوالي 24 كيلومتراً من الحدود اللبنانية، وأثار القصف المكثف والمتصاعد عليها من جنوب لبنان، مخاوف إسرائيلية من استهداف الميناء الذي تعده”إسرائيل أهم موانئها على الإطلاق، فإلى جانب كونه “قلب التجارة البحرية الإسرائيلية” و”بوابة إسرائيل إلى العالم”، يضم ميناء حيفا منشآت نفطية ومصانع كيماوية حساسة قد يعني استهدافها وقوع كارثة في المدينة المحتلة وإغلاق الميناء لوقت طويل.
وميناء حيفا هو أحد أقدم وأكبر الموانئ في فلسطين التاريخية، ويعد أهم وأكبر ميناء في الاراضي المحتلةاليوم، يتبعه ميناء أشدود، وميناء إيلات. ويعد ميناء حيفا طبيعي ذو مياه عميقة، ويعمل على مدار السنة، ويخدم كل من الركاب والسفن التجارية، إنه واحد من أكبر الموانئ في شرق البحر المتوسط، ويوصف بأنه “بوابة التجارة الإسرائيلية”، حيث تنقل حوالي 99% من جميع البضائع من وإلى إسرائيل عن طريق البحر، ويملك ميناء حيفا حصة الأسد منها.
يمتد الميناء على مساحة واسعة 6.5 كيلومتر مربع، تضم أرصفة متعددة، محطات للحاويات، ومستودعات كبيرة، مما يجعله أحد المحاور التجارية الرئيسية في إسرائيل.
في عام 2022 بدأت إسرائيل في خصخصة ميناء حيفا، حيث استحوذت شركة Adani Group الهندية المملوكة للملياردير الهندي غوتام أداني الذي يوصف بأنه حليف لرئيس الوزراء ناريندا مودي (صديق بنيامين نتنياهو) ومجموعة Gadot الإسرائيلية، على ميناء حيفا مقابل 1.2 مليار دولار تقريباً. ويمتلك الشريك الإسرائيلي “غادوت” ثلث أسهم الميناء، في حين أن الثلثين الآخرين مملوكان للشريك الهندي Adani Group.
لماذا يعتبر ميناء حيفا أهم ميناء بحري لإسرائيل؟
يُعد ميناء حيفا هو الأكبر والأكثر تنوعاً من بين جميع الموانئ الإسرائيلية. يلعب دورًا محوريًا في حركة الاستيراد والتصدير إلى الكيان.
يتمتع الميناء بموقع استراتيجي في شمال “إسرائيل“، أي أنه قريب من الأسواق الأوروبية والمتوسطية.
كما يحتوي الميناء على مرافق متعددة للنقل واللوجستيات، مما يجعله مركزًا للنقل البحري والبري، ويعزز قدراته كبوابة تجارية رئيسية للمنطقة.
يُعتبر الميناء مركزاً صناعياً مهماً، حيث يحتوي على مصانع وشركات كبيرة، بعضها مرتبط بصناعة الكيماويات والبترول. وهذا يعزز من مكانته كمرفق حيوي للصناعة والاقتصاد الإسرائيلي.
بالنسبة لحجم التجارة، يمر عبر ميناء حيفا سنوياً ملايين الأطنان من البضائع. يتعامل الميناء مع أكثر من 35% من حجم الاستيراد والتصدير الإسرائيلي، حيث يأتي البترول، المواد الخام، والمنتجات الصناعية والحبوب على رأس الواردات. أما الصادرات فتشمل المنتجات الكيميائية، الأدوية، والتقنيات المتقدمة وغيرها.
في عام 2023، قدرت حجم التجارة التي مرت عبر الميناء بأكثر من 30 مليون طن من البضائع، مما يعكس دوره الكبير في تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي.
ما أبرز المنشآت الحساسة والاستراتيجية في ميناء حيفا؟
1- مصنع “بازان” (Bazan Group): يعتبر من أكبر المصانع البتروكيماوية في إسرائيل، ويقوم بتكرير النفط الخام وإنتاج مجموعة متنوعة من المنتجات البترولية.
2- مصانع الأمونيا: تُعد من المنشآت الخطيرة التي تخزن كميات كبيرة من الأمونيا، وتعتبر هدفاً محتملاً للهجمات، حيث يمكن أن تؤدي ضربة واحدة إلى كارثة بيئية وإنسانية هائلة.
3- رصيف الشحن الكيميائي “هاكيشون”: يضم لنقل الميثانول ومواد بتروكيميائية أخرى، ومستودعات لتخزين الأمونيا والإيثيلين، وغيرها من المواد الكيميائية.
4- مصانع الأسمدة التابعة لشركة ICL: تضم مواداً كيميائية خطيرة تستخدم في صناعات الأسمدة.
5- خزانات ومصافي النفط: تقع في منطقة كريات حاييم بواقع 41 خزاناً، تبلغ سعتها الإجمالية 937 ألف متر مكعب من النفط الخام، بالإضافة إلى 17 خزاناً بسعة 157 ألف متر مكعب موجودة في الميناء الرئيسي، مخصصة لتخزين النفط الخام الثقيل والخفيف والديزل والكيروسين والغازولين.
6- مطار حيفا: مطار دولي تأسس في عام 1936 وكان في الأصل قاعدة عسكرية بريطانية، قبل أن يتم تطويره إلى مطار تجاري صغير. يُعتبر هذا المطار جزءاً من بنية النقل الحيوية في شمال إسرائيل.
7- محطة كهرباء حيفا: من أهم محطات الطاقة في شمال الكيان، تقع في خليج حيفا وتستخدم الوقود الأحفوري وهي عاملة بقدرة لا تقل عن 1022 ميجاوات. تلعب المحطة دورًا حيويًا في تزويد الطاقة للمدينة والمناطق المحيطة بها، بما في ذلك المجمعات الصناعية الكبيرة.
ماذا سيحدث إذا ما تم استهداف هذه المنشآت؟
تقول صحيفة “هآرتس” إن سكان حيفا يشعرون أنهم “يجلسون على برميل من المتفجرات”، مشيرة إلى أن سيناريو استهداف ميناء حيفا وما حوله “يحرم العديد من سكان حيفا من النوم”، حيث أن مصانع البتروكيماويات، بما في ذلك مصافي النفط، يتم تخزين تركيزات كبيرة فيها من المواد الخطرة التي قد تتحول لكارثة إذا ما تم استهدافها.
وتضيف الصحيفة أنه “يمكن لسكان حيفا أن يستمدوا بعض العزاء من حقيقة أن شركة حيفا للكيماويات أفرغت خزان الأمونيا الخاص بها في السنوات الأخيرة، بعد صراع بيئي دام عشر سنوات. ومع ذلك، فإن القرار بإزالة المرافق الأخرى الخطيرة يتقدم ببطء شديد”.
في عام 2022، أجرت وزارة حماية البيئة الإسرائيلية مسحاً لم يكتمل للمواد الخطرة في ميناء حيفا، أشار إلى أن يوجد في خليج حيفا 1500 مصدر خطر و800 نوع من المواد الكيميائية الخطرة، وقال أحد سكان حيفا إن “نفس المسح فحص الأضرار المحتملة في الأوقات العادية، لكنه لم يفحص السيناريوهات الناجمة عن أي هجوم”.
في الثامن من تشرين الأول، صرح “عمدة” بلدية حيفا لوسائل الإعلام بالقول: “طلبنا إخلاء المصانع الكيميائية في خليج حيفا لكننا لم نتلق أي رد من الحكومة”.
ويقول رافيت شتوسل، أحد سكان حيفا ومسؤول المجتمع المحلي في حملة تنظيف خليج حيفا من المواد الخطرة إن “هناك العشرات من الشركات التي تعمل بالمواد الخطرة، فضلاً عن خزانات الغاز، وكلها تقع في نفس المنطقة. ويؤكد هذا الوضع على أهمية البدء في عمليات إزالة صناعة البتروكيماويات من الخليج، وكذلك مدى تأخرنا بشكل جنوني”. وأضاف: “نطالب بتقليص إضافي للمواد الخطرة في المؤسسات وتسريع الجدول الزمني لإغلاق صناعة البتروكيماويات في قلب منطقة حيفا الكبرى”. (عربي بوست)