“ليبانون ديبايت”- عبدالله قمح إننا نعيش أياماً تشبه تماماً ما عشناه في مقدمة حرب تموز عام 2006 من حيث الأهداف والرهانات على كسر حزب الله أو اقتلاعه أو اجتثاثه. المفارقة اليوم هي أن حزب الله أقوى من نسخة 2006، ولكنه تلقى ضربة أقسى من تلك التي تلقاها في مستهل تلك الحرب. إلا أنه وبإجماع المتابعين، فإن الحرب الحالية أقل وطأة من سابقاتها. اليوم يُستعاد مشروع حرب عام 2006 بطريقة أخرى، حيث يسعى بنيامين نتنياهو لتحقيق مشروع “الشرق الأوسط الجديد” عبر الدبابة وسحق حزب الله، تماماً كما أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس من بيروت عام 2006 بعد أيام من بدء إسرائيل حرباً على المقاومة، قبل أن تنقلب على نظريتها بادعاء تخليها عنها. ومن المفارقات الكبرى أن بداية حرب 2006 شكلت منعطفاً قاد الجميع –كما يحدث اليوم– إلى الإقرار بأن حزب الله والمقاومة تلقيا ضربة كبيرة يصعب الخروج منها، وكانت كفيلة بإخراجهم من المعادلة. لكن مع تقدم الحرب، انقلب المشهد وتحولت إسرائيل من المبادرة إلى المتلقية للضربات. وفي النهاية، استجدت تل أبيب وقف إطلاق النار عبر وزير خارجية قطر. اليوم، يبدو أن السيناريو نفسه يتكرر. وزعت إسرائيل صورة مفادها أنها تستطيع من خلال الضربات الموجهة إلى جسد الحزب وقيادته أن تربك الجسمين العسكري والسياسي، ما يسهل إضعاف الحزب تمهيداً للقضاء عليه. ولكن بعد مرور أكثر من أسبوعين على هذه الضربات، ترتفع أصوات في إسرائيل تشير إلى أن حزب الله قد بدأ بالخروج من حالة انعدام التوازن، وهو في طريقه نحو إعادة الانتظام. وبالتالي، يدعو البعض في إسرائيل إلى توجيه ضربات أخرى. في بيروت، بدأنا نلمس نهوض الحزب من الصدمة، واستعادته المبادرة سواء على الجبهة بزيادة وتيرة القصف تجاه المستوطنات أو من خلال إصلاح هيكله القيادي. كذلك، عاد الحزب إلى الانتظام ضمن آلية عمل واضحة، ميدانياً عبر إعادة توزيع المهام على الجبهة، وإدارياً بابتكار آلية تواصل فعّالة تنقل المعلومات من الجبهة إلى القيادة التي تحولها إلى بيانات حربية توزع على وسائل الإعلام بسرعة وسلاسة. ولم يكن بعيداً عن هذه العملية الترميم السياسي، حيث أعاد الحزب توزيع المهام على مسؤوليه السياسيين، واستأنف التواصل مع المرجعيات التقليدية، ما دفع العدو إلى محاولة استهداف الإطار السياسي للحزب. في المقابل، يواصل العدو توجيه الضربات، ويحاول فتح أكثر من محور وجبهة في أكثر من موقع، كما وسع مدى القصف الجوي، مع تهدئة ملحوظة في الضاحية، لكنه زاد من ضرباته في البقاع وربما يضم لاحقاً أهدافاً أخرى للوائح القصف. هذا المشهد يعيدنا أيضاً إلى عام 2006، حيث حاول العدو بلوغ أهداف الحرب عبر الدبلوماسية لا القتال. 1701+ تشير كل المؤشرات الآن إلى أن بنيامين نتنياهو وضع سقفاً لحربه على لبنان وما زال يعطي فرصة للقتال لتأمين أهدافه. لكن تشير نفس المؤشرات إلى أن نتنياهو وحكومته تلقوا نصائح بضرورة السماح بفتح “قناة موازية” لتحقيق أهداف الحرب عبر الدبلوماسية أيضاً، في محاولة لتسوية تحت النار أو حلول تحمل نفس الأهداف. ما يعلنه العدو يتصل بإخراج المقاومة من جنوب الليطاني، والإجهاز على قدرات حزب الله العسكرية. كما يهدف إلى تغيير جذري في الواقع السياسي اللبناني، وهو ما عبر عنه نتنياهو في اتصاله مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. لن يدخر العدو جهداً في تحقيق هذه الأهداف، التي تدعمها دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، من خلال تعديلات على القرار 1701 أو إصدار قرار أممي جديد. تهديد مقابل التلويح بالفصل السابع من السابق لأوانه تحديد مسارات الحرب الحالية، طالما أن آلة الحرب نشطة. لكن الهدف الإسرائيلي يتمثل في فرض السيطرة على مناطق حيوية في جنوب الليطاني عبر التدخل العسكري. في هذا السياق، يبرز دور دبلوماسي فرنسي يطرح خلف الكواليس تسويات تشمل تعديلات على القرار 1701 بهدف الوصول إلى تسوية سياسية داخلية. ولكن هناك “نقزة” حول الأداء الفرنسي الذي يسعى إلى تعديل مهمة اليونيفيل لتصبح قوة “فرض سلام” تحت الفصل السابع، في محاولة لإقناع إسرائيل بالتخلي عن فكرة احتلال الجنوب. ما وصل إلى فرنسا من بيروت يشير إلى أن لبنان يوافق على التطبيق الكامل للقرار 1701 مع وقف إطلاق النار، لكنه يرفض أي قرار أممي جديد. كما ترفض بيروت أي تغيير في التوازنات القائمة منذ 2006 بالقوة العسكرية. الرسائل الأكبر حجماً وصلت إلى باريس من طهران، حيث أكدت إيران أن حزب الله يمثل مكانة عظيمة بالنسبة لها، ولن تتخلى عنه حتى لو تطلب الأمر حرباً أكبر. |