غابت الغارات الجوية الإسرائيلية عن ضاحية بيروت الجنوبية خلال اليومين الماضيين، لكنها لم تُغيّب القلق من تجدّد القصف بشكل مفاجئ وفي أي وقت، وخصوصاً أن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، لا يزال يوجّه الإنذارات المتتالية للمدنيين بضرورة إخلاء منازلهم ومغادرتها فوراً، بسبب قُربها من مواقع تابعة لـ«حزب الله» و«حفاظاً على حياتهم».
وانطوى الهدوء الحَذِر الذي يخيّم على الضاحية على رسائل متعددة، بعضها مرتبط بالضغوط الدبلوماسية الدولية على تلّ أبيب؛ للحدّ من التدمير والقتل، والبعض الآخر يفسَّر على أنها ساعات الهدوء التي تسبق موجة جديدة من العنف، وبنك الأهداف الثاني الذي تحضّر له إسرائيل.
ميقاتي: المساعي خفّفت الغارات
وأوضح رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، أن المساعي السياسية التي يبذلها «خفّفت من حدّة الغارات على الضاحية الجنوبية، وخفّت معها وتيرة التصعيد»، وقال عقب جلسة لمجلس الوزراء انعقدت، الجمعة، في السراي الحكومي: «سنواصل ملاحقة هذا الموضوع؛ لأن ضرب المدنيين بهذه الطريقة، وإلحاق الأذى بهم، وسقوط المزيد من الشهداء، أمر لا يجوز بتاتاً، فهذا حرام، فهل تخلّينا عن إنسانيتنا؟».
وشدّد ميقاتي على أن «الحل الدبلوماسي يبقى مطروحاً على الطاولة، من خلال القرار 1701 الذي لا يزال صالحاً»، مشيراً إلى أن «(حزب الله) الذي هو شريك في هذه الحكومة، وافق، السبت، على هذا الموضوع، ولا أعتقد أنه يوجد أي تردّد».
ضغوط أميركية على إسرائيل
تراجُع الغارات الجوية على الضاحية الجنوبية مرتبط إلى حدّ كبير بالمساعي التي تقوم بها واشنطن مع تلّ أبيب، وتترافق مع قلقٍ متنامٍ من النوايا الإسرائيلية، وكشف مصدر وزاري مقرّب من ميقاتي، أن «جهود رئيس الحكومة مع الأميركيين والأوروبيين أثمرت تفهماً من المجتمع الدولي لحراجة الوضع في لبنان، وضرورة وقف التدمير الذي تعتمده إسرائيل والذي بلغ ذروته في الأسبوعين الأخيرين».
وأكّد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن «الضغط الدولي قائم ومستمرّ للجْم العدوان المتمادي، لكن لا أحد يأمن جانب إسرائيل، وثقة هذا المجتمع بـ(رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو باتت شبه معدومة، بدليل أن الغارات لم تتوقف على مناطق البقاع والجنوب، التي تُوقِع يومياً مئات الضحايا بين شهيد وجريح، وطائرات الاستطلاع لا تفارق سماء العاصمة بيروت والضاحية الجنوبية ليلاً نهاراً، وعلى مدار الساعة»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «الأميركيين يمارسون ضغوطاً حقيقية على نتنياهو لوقف مجازره بحق المدنيين».
وتحدّث المصدر الوزاري عن «حالة ترقّب تسود لبنان والمنطقة بأسرها، مرهونة بالضربة الإسرائيلية المتوقعة لإيران، وما يمكن أن ينتج عنها من تصعيد».
وترفض تلّ أبيب بشكل قاطع كلّ الدعوات الهادفة إلى وقف النار، وإفساح المجال أمام الحلول السياسية التي تحقّق غايتها بعودة المواطنين الإسرائيليين إلى بيوتهم في المستوطنات الشمالية، لكنّ الحكومة الإسرائيلية وضعت شرطاً جديداً ومستعصياً لوقف القتال، وهو استسلام مقاتلي «حزب الله»، وتجريد الأخير من سلاحه بالكامل.
ولذلك، دعا الخبير في شؤون الأمن ودراسات الحروب، العميد الركن يعرب صخر، إلى «عدم الرهان على الهدوء المحدود الذي تشهده الضاحية الجنوبية»، ورجّح أن يكون ذلك «تحضيراً لبنك أهداف ثانٍ تُعِدّ له إسرائيل»، وقال صخر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «إن الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه (حزب الله) تقوم على 3 أهداف؛ الأول: الإمساك بالجبهة الجنوبية، وتنفيذ عميلة برّية غير معروف مداها، والثاني: الإطباق على الجنوب عبر حصار بحري وبرّي وجوي لقطع طرق الإمداد العسكري واللوجستي على الحزب وتقليص قدراته، وصولاً إلى ما يدّعيه الإسرائيلي، وهو تجريده من السلاح، أما الهدف الثالث فيقوم على ضرب مركزية القرار لديه، أي الضاحية الجنوبية التي تُعَدّ عاصمة الحزب ومركز قراره السياسي والحزبي والمالي واللوجستي».
ولا يُخفِي العميد يعرب صخر أن هناك «ضغوطاً أميركية ربما خفّفت من حدّة الغارات، لفتح الطريق أمام الحل الدبلوماسي، وإعطاء فرصة لتنفيذ القرار 1701، ونشر الجيش اللبناني مع قوات (اليونيفيل) بشكل فعّال على الحدود الجنوبية، لكن هذه الضغوط قد تتبدّد عندما تحصل الضربة الإسرائيلية المرجَّحة لإيران».
يوسف دياب- الشرق الأوسط