اعتبر نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن الحل للحرب يكون عبر وقف إطلاق النار، وإلا فالبديل أن حزب الله سيواجه بمواصلة استراتيجية إيلام العدو التي تطاول كل العمق الإسرائيلي، مؤكداً أن المقاومة لم تُهزم وأنها استعادت عافيتها ورمّمت بنيتها التنظيمية.
ولفت الشيخ قاسم، في ظهوره الثالث أمس منذ بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان، إلى أن الحرب الإسرائيلية على لبنان تهدف إلى إنتاج شرق أوسط جديد كما قال رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، محذّراً من أن ذلك يشكّل خطراً على لبنان والمنطقة. ورأى أنه من أجل الوصول إلى هذا الهدف عمد العدو إلى خطة تتألف من ثلاث مراحل، تهدف الأولى إلى ضرب القيادة العسكرية والقدرات العسكرية لحزب الله، إلا أنها لم تحقق ذلك، وإنْ نجحت في توجيه سلسلة ضربات قاسية عبر اغتيال عدد من القادة وعلى رأسهم سماحة الأمين العام الشهيد السيد حسن نصرالله. وتهدف المرحلة الثانية إلى إنهاء حزب الله، بحيث يتم التمهيد للوصول إلى المرحلة الثالثة التي تهدف إلى إعادة صياغة لبنان بالطريقة التي تلائم إسرائيل والولايات المتحدة.
وفي مواجهة هذا المخطط يخوض حزب الله مقاومة مشروعة ودفاعية تهدف إلى رفض الاحتلال وتحرير الأرض، وشدّد الشيخ قاسم على أن إسقاط هذا المخطط يتم عبر صمود المقاومة والتفاف شعبها حولها، مؤكداً «أننا من سيمسك العدو برسَنه ويعيده إلى الحظيرة».
وحدّد قاسم الإطار العام للمراحل التي مرت بها المقاومة حتى الآن. فلفت إلى أنها انتقلت من الإسناد الى مواجهة الحرب الإسرائيلية على لبنان، مشيراً إلى أنه منذ أسبوعين يتركز الميدان على الحافة الأمامية في مواجهة جيش الاحتلال على الحدود اللبنانية – الفلسطينية.
وبخصوص سياسة الرد الصاروخي والمُسيّرات التي تنفذها المقاومة الإسلامية في العمق الإسرائيلي، فقد وضعها نائب الأمين العام لحزب الله ضمن استراتيجية «إيلام العدو» التي طاولت حتى الآن حيفا وما بعدها وما بعد بعدها «كما أراد سيدنا الشهيد»، وصولاً إلى إدخال مليوني مستوطن إلى الملاجئ في تل أبيب الكبرى الإثنين الماضي. ورسم إطاراً عاماً أوضح فيه أن من حق حزب الله أن يستهدف أي مكان في الكيان الإسرائيلي لأن العدو استهدف كل لبنان، مؤكداً أنه لم تعد هناك أي معادلة في هذا المجال. ووجّه عدة رسائل إلى المقاومين والشعب اللبناني، وأيضاً إلى أهل المقاومة الذين وصفهم بأشرف الناس. وجدّد الوعد الذي سبق أن أطلقه الأمين العام الشهيد السيد حسن نصرالله، بأنهم سيعودون إلى بيوتهم التي ستعود أجمل مما كانت، وبأنه تم منذ الآن إعداد المقدمات الضرورية لهذا الأمر.
وكان الشيخ قاسم قد أوضح في بداية كلمته أن الخطر الإسرائيلي على لبنان ينبع من ماهيته التوسعية والعدوانية، الأمر الذي يؤكد على الترابط القائم بين فلسطين ولبنان والمنطقة في مواجهة هذا الكيان الذي يمثل تهديداً مشتركاً للجميع. لذلك «لا يمكن فصل لبنان والمنطقة عن فلسطين». ومن أبرز تجليات هذه الحقيقة هو المتغيرات التي مر بها لبنان في هذا السياق، ومن ضمنها الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ في عام 1978، واستمر وتوسّع ثم اندحر على مراحل وصولاً إلى التحرير عام 2000.
من جهته، حدّد نتنياهو الإطار العام لوقف الحرب على لبنان، خلال مكالمة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قائلاً إن إسرائيل «تعارض وقف إطلاق نار أحادي الجانب، لا يغيّر الواقع الأمني في لبنان»، موضحاً أن إسرائيل لن تقبل بأي اتفاق «لا يمنع حزب الله من إعادة التنظيم والتسلح». وهو عنوان يختصر في طياته المطالب التي تريد من خلالها إسرائيل فرض هيمنتها الأمنية على لبنان وصولاً إلى تغيير المعادلة السياسية التي تضمن لها تنفيذ ومراقبة هذه العناوين. وما حدّده نتنياهو إجمالاً، سبق أن فصَّله قبل يومين جيش العدو في الأطروحة التي قدّمها إلى الحكومة والشروط التي ينبغي تنفيذها من أجل «استقرار واقع أمني جديد»، معتبراً أن هذه الشروط لا تهدف إلى نزع قدرات حزب الله فقط، وإنما إلى «إنشاء أنظمة تساعد على ضمان عدم تسلح حزب الله مجدداً». وأكّد جيش العدو بذلك على أن أهداف هذه الحرب تتجاوز مسألة المستوطنين وتتصل بترميم الواقع الاستراتيجي لإسرائيل على حساب لبنان، ويهدد مستقبله وهويته وأمنه. ولذلك طالب الجيش أيضاً بسيطرة استخبارية وسيطرة على إطلاق النار في لبنان كله، وخاصة على طول الحدود السورية – اللبنانية وقرى جنوب لبنان، إضافة إلى حق إسرائيل بشن توغلات برية في الأراضي اللبنانية، أو «عمليات عسكرية محدودة» في المستقبل أيضاً، أي حتى بعد انتهاء الحرب! وذهب جيش العدو إلى حد المطالبة بنزع سلاح المقاومة وبمراقبة دولية وخاصة عند الحدود السورية – اللبنانية، في محاولة لمنع التسلح مجدداً ونقل أسلحة من إيران. وتشكل المطالب والشروط التي قدّمها جيش العدو جوهر تغيير المعادلة مع لبنان، بمعنى جعله مستباحاً أمام إسرائيل عبر تجريده من عناصر قوته لمنعه من الدفاع عن وجوده وأمنه ومستقبله.
الوضع الميداني
ميدانياً، يظهر من عمليات المقاومة اليومية، الارتقاء في نوعية الأهداف والقدرات المستخدمة لضربها، كما يظهر الثبات الذي تُبديه غرفة عمليات المقاومة في قرار توسيع مروحة الاستهداف، خصوصاً في حيفا التي تحوّلت فعلياً إلى كريات شمونة ثانية، إضافة إلى بعض المدن المحتلة الكبرى الأخرى كصفد وتل أبيب التي باتت الصواريخ تدكّ ضواحيها بشكل متزايد.
ومن مجمل عمليات حزب الله أمس، يمكن الاستنتاج بأن المقاومة، التي قال الشيخ قاسم إنها تجاوزت مرحلة إسناد غزة ومقاومتها، إلى مرحلة مواجهة الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان بما تقتضي هذه المواجهة من مراحل (دخلنا الآن مرحلة إيلام العدو)، والتوسّع في المدى الجغرافي لصواريخ المقاومة داخل فلسطين المحتلة، تعمل على ضرب العدو بدءاً من أقرب نقطة حدودية مع فلسطين المحتلة في جنوب لبنان، وصولاً إلى أبعد نقطة في عمق فلسطين، وما بينهما من تكتيكات تبدأ من قصف تجمعات العدو ورصد تحركاته، إلى الاشتباكات وضرب الآليات في البر والجو.
وفي هذا الإطار، قصف المقاومون أمس، 3 جرافات ودبابة ميركافا على أطراف راميا، ودبابة أخرى حاولت لاحقاً التقدم إلى أطراف البلدة ذاتها، بالصواريخ الموجهة، ما أدى إلى احتراقها وقتل وجرح مَن فيها. ومن البرّ إلى الجو، حيث أسقط المقاومون مُسيّرتين معاديتين من نوع «هرميز 450»، إحداهما منتصف ليل الإثنين – الثلاثاء، والثانية ظهر أمس، وقد شوهدت تحترق في أجواء فلسطين المحتلة.
في الموازاة، أبقت المقاومة المدن الكبرى المحتلة تحت النار، فواصلت ضرب مدينتَي حيفا وصفد بصليتين صاروخيتين كبيرتين، إضافة إلى ضرب ضواحي تل أبيب بصلية صاروخية.
وفي الاستهدافات العسكرية، ضربت المقاومة قاعدة نفتالي قرب صفد بصلية صاروخية كبيرة، ومربضَي الزاعورة وديشون، وقصفت مستعمرات كريات شمونة بِصلية صاروخية في مناسبتين منفصلتين. وواصلت قصف تجمعات جنود العدو وتحركاتهم، فضربتهم أمس في مواقع البغدادي والمرج وراميا، وفي خلة وردة ومنطقة السدانة وبركة النقار في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، وفي خلة الفراشات في بلدة رب ثلاثين، وفي محيط عيتا الشعب. وأثناء محاولة تسلل قوة مشاة للعدو إلى أطراف بلدة رب ثلاثين من الناحية الشرقية، اشتبك معها المقاومون بالأسلحة الرشاشة والصاروخية.
وفيما واصل العدو الإسرائيلي اعتداءاته في الجنوب والبقاع، دوّت صفارات الإنذار في المستوطنات والبلدات والمدن المحتلة الممتدة من أصبع الجليل إلى تل أبيب، مثل مرغليوت وشتولا وكريات شمونة ومحيطها والمطلة وكفرجلعادي ومسكاف عام ومتات وحورفيش والكرمل وعتليت وقيسارية ووادي عارة جنوب حيفا وفي مدينة حيفا المحتلة والكرويت ونهاريا وكريات بياليك وصفد ومحيطها، وغيرها.