“هذه الفرصة الأخيرة لوقف الح ر ب”
عناوين الصحف العالمية لا تزال تداعيات قتل إسرائيل لرئيس حركة حماس يحيى السنوار، على طاولة التحليل السياسي، إذ يحاول كتاب الأعمدة السياسية وغيرهم من المسؤولين قراءة مشهد حرب غزة بعد ذلك.
تتناول صحيفة نيويورك تايمز إمكانية ضغط الرئيس الأمريكي جو بايدن – الذي قاربت ولايته على الإنتهاء – على الدفع بإسرائيل لوقف الحرب بعد مقتل السنوار. بينما تتساءل صحيفة الغارديان البريطانية عن جدوى اغتيال قيادات التنظيمات المسلحة في تحقيق أي أهداف استراتيجية لمن يدعمونها.
وفي صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، يعنون الكاتب رونين برغمان مقاله بـ “الرسالة الأخيرة للسنوار: وثيقة الاتفاقية والفجوات في المفاوضات الخاصة بالصفقة”. ويكشف فيها آخر ما توصل إليه الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي من نقاط اتفاق عبر الوسطاء وأسباب توقف المفاوضات في تموز/يوليو الماضي.
“الفرصة الأخيرة”
يدعو الكاتب الأمريكي نيكولاس كريستوف في صحيفة نيويورك تايمز، رئيس بلاده جو بايدن بانتهاز “الفرصة الأخيرة”، لوقف الحرب بعد مقتل السنوار.
ويرى كريستوف أنه من الممكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن “يعلن انتصاره في حرب غزة بعد مقتل السنوار، ثم يبدأ التفاوض على وقف إطلاق النار ضمن إطار يشمل إطلاق سراح الرهائن، وفتح ملف تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية والمسار إلى حل الدولتين”.
ويتابع قائلاً إن المسؤولين الأمريكيين يستمرون في استخدام كلمة “الفرصة”، ويجد أنهم على حق. مستشهداً بما قالته نائب الرئيس الأمريكي والمرشحة للانتخابات الرئاسية عن الديمقراطيين، كامالا هاريس: “هذه اللحظة تمنحنا فرصة لإنهاء الحرب في غزة أخيراً”.
يضيف الكاتب “أنا متأكد من أن بايدن يريد اتفاق سلام تاريخي، لكنني متشكك في مدى احتمالية ذلك، ما لم يكن هناك ضغط أكبر بكثير من الولايات المتحدة”.
ويلفت الكاتب إلى أن إصرار حماس على استمرار القتال بعد مقتل السنوار، مشابه لما حدث بعد اغتيال حسن نصر الله، إذ لم يؤد ذلك إلى القضاء على حزب الله أو إنهاء القتال في لبنان.
ويتخوف كريستوف من أنه “قد نشهد في أي يوم ضربة انتقامية إسرائيلية ضد إيران تؤدي إلى ضربة أخرى من جانب طهران، وتصعيد عسكري يثبط إحساسنا الحالي بالفرصة”.
ويجد الكاتب أن ما أنجزته إسرائيل قد أدى إلى انتصارات تكتيكية، مثل قتل السنوار، لم ترق إلى أن تصبح استراتيجية.
“لا أعتقد أن حماس ستستسلم أو أن إسرائيل ستتبنى بسهولة أفكار بايدن بشأن اتفاق سلام متعدد الأوجه. لا يزال نتنياهو يركز على ما هو جيد لنفسه، ولا تزال إسرائيل تعاني من صدمة شديدة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بحيث يصعب على الجمهور قبول خطة حقيقية لحل الدولتين ” يقول كريستوف.
ويطالب بالإفراج عن القيادي الفلسطيني في السجون الإسرائيلية مروان البرغوثي باعتباره قد يكون الزعيم الفلسطيني الأكثر شعبية. إذ “إن العقبة أمام أي اتفاق سلام هي أن قيادة السلطة الفلسطينية فاسدة ومشوهة”، بوجهة نظره.
يختم الكاتب بضرورة أن تضغط إدارة بايدن على نتنياهو ” لانتزاع السلام مستفيداً من وفاة السنوار باستخدامه للعصا والجزر خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من ولايته”.
“بعد اغتيال زعيم حماس، هل سيتحمل أحد التحدي؟”
إلى يديعوت أحرنوت ومقال الكاتب الإسرائيلي رونين برغمان الذي يقول إن قطر وضعت خطوطاً عريضة للاتفاق بين الفلسطينيين وإسرائيل في خمس صفحات و18 قسماً، تُظهر بحسب الكاتب أن “السنوار قبِل جزءاً من المطالب الإسرائيلية – والفجوات ضاقت كثيراً. وبعد أقل من شهر أرسل نتنياهو (رسالة توضيحات) أثارت عقبات جديدة، كما تشددت حماس في مواقفها”.
يتساءل الكاتب: بعد اغتيال زعيم حماس، هل سيتحمل أحد التحدي؟ وما هو مصير صفقة الرهائن؟
لكنه يتبع تساؤلاته بالنقل عن مسؤولين كبار في إسرائيل قولهم إن “عملية الاغتيال تمثل فرصة لتسريع المفاوضات المتوقفة خلال الأشهر القليلة الماضية، وأضافوا أنها قد تسمح لقيادة حماس في الخارج بالدفع نحو التوصل إلى اتفاق”.
يتجه الكاتب لعرض أبرز ما ورد في وثيقة الاتفاق، ويخلص إلى أن “المطبات أكثر من الحلول”، بقوله إنه بعد أن رأت حماس أن إسرائيل تفرض المزيد من المطالب، “تشددت الحركة في مطالبها”.
إلا أنه يشير أيضاً إلى تصريحات صحفية للمسؤول عن ملف الرهائن والمفقودين الإسرائيليين غال هيرش التي يزعم فيها أن حماس لا تريد التوصل إلى اتفاق وأنهم “يقومون بألاعيب”
ومع ذلك يُبقي الكاتب التساؤلات مفتوحة حول أسباب عرقلة الحكومة الإسرائيلية للاتفاق في يوليو/تموز الماضي، رغم نفيها ذلك، وأن تَخلّي إسرائيل عن مطالبها الإضافية بعد هذا التاريخ قد يؤدي إلى تراجع حماس عن تشددها في بعض المطالب.
ويضيف: “صفقة الثلاث خطوات هي صفقة إشكالية للغاية، ولا تضمن إطلاق سراح جميع المختطفين، وفيها من المطبات والصعوبات أكثر من الحلول. إذ يمكن أن تتعثر في المنتصف أو في النهاية، وحتى في البداية. وكان من المنطقي أكثر بكثير بناء صفقة شاملة ومفصلة، بدلاً من الخطوط العريضة العامة”.
“هل يمكن التنبؤ؟”
جيسون بيرك مراسل الأمن الدولي في صحيفة الغارديان يقول إن إسرائيل، التي تُشبّه السنوار بأسامة بن لادن الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة، ترحب بمقتله باعتباره “العقل المدبر لهجمات السابع من أكتوبر”. لكن مع ذلك تقول الصحيفة في مقالها التحليلي إن إسرائيل غير قادرة على التأكد من أن قتل السنوار سيقود إلى هزيمة حماس.
يُشار إلى حماس، التي تصنفها بعض الدول حركة إرهابية، تُقدم نفسها على أنها حركة مقاومة فلسطينية تهدف لتحرير الأراضي الفلسطينية.
وعودةً إلى مقال بيرك الذي يحاول التوصل إلى الغاية من قتل زعماء التنظيمات المسلحة وهل حقق ذلك أي إنجاز على أرض الواقع؟
يقول بيرك إن هناك حالات قد يُعتبر القضاء فيها على زعيم تنظيم ما “نجاحاً”، مثل قتل أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم “داعش”.
ولكن بعض عمليات اغتيال القادة حقق نتائج حاسمة، بحسب الكاتب، الذي يقول إنه “عندما قتل الموساد وديع حداد، زعيم الفصيل المنشق عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والمسؤول عن سلسلة من الهجمات المسلحة في سبعينيات القرن العشرين، ربما باستخدام الشوكولاتة المسمومة، تفككت مجموعته. صحيحٌ أن عمليات اختطاف الطائرات والتفجيرات استمرّت، إلّا أن من نفّذها كانوا آخرين”.
يتابع: “هناك أيضاً حزب الله. أصبح حسن نصر الله زعيماً للحزب ومقره في لبنان في عام 1992 بعد مقتل سلفه على يد إسرائيل، ثم حكم بمهارة وفعالية لمدة 32 عاماً، متجنباً محاولات متعددة لإنهاء حياته. في الشهر الماضي، قتلت إسرائيل ليس نصر الله فحسب، بل وكامل القيادة العليا للحزب. هذا المزيج من الاجتثاث والاستنزاف المباشر غير مسبوق تقريباً، ومن غير المستغرب أن حزب الله يترنح”.
“بالطبع، قتلت إسرائيل بالفعل العديد من قادة حماس وأكثرهم كفاءة في السنوات العشرين الماضية. كل وفاة قد أدت إلى التغيير، ولكن نادراً ما كان ذلك التغيير متوقعاً”، يضيف بيرك.
ويرى أن “أي ابتهاج في إسرائيل أو في أي مكان آخر بوفاة السنوار يجب أن يخففه الوعي بأن لا أحد يستطيع أن يعرف ما سيحدث بعد ذلك. قد تكون هذه بالفعل بداية نهاية الحرب في غزة، كما اقترح بنيامين نتنياهو. لكن تاريخ عمليات القتل المشابهة هذه، يشير إلى أنه في الأمد البعيد، سيظل أي نصر حاسم بعيد المنال”.
ويخلص الكاتب إلى أنه “إذا كان التاريخ المتقلب لاستراتيجيات قطع الرؤوس يخبرنا بأي شيء، فهو أنه من المستحيل تقريباً التنبؤ بالتأثير الذي قد يخلفه قتل زعيم. وقد لا يكون هذا مهماً بالنسبة لأولئك الذين يأمرون بعمليات القتل أو لأولئك الذين يفرحون بأخبار اغتيال ناجح. إن السياسة والرغبة المفهومة تماماً في الانتقام والعدالة تشكل عوامل مهمة”