يتسرّع الذين يعتبرون اليوم أنّ إسرائيل أصيبت بالتعب واستنفدت قدراتها العسكرية والسياسية، وأنّها لذلك بدأت تلين مواقفها، ففتحت باب المفاوضات في القاهرة من أجل تسوية في غزة، ودخلت في مساومات جديدة مع عاموس هوكشتاين
حول تسوية للحرب في لبنان، وقرّرت أن تتراجع عن توجيه ضربات لإيران ذات مفاعيل استراتيجية. فقبل أيام قليلة، كان الجميع مقتنع بأنّ نتنياهو يصرّ على رفع سقف التصعيد إلى الحدّ الأقصى، ميدانياً وسياسياً، وعلى رفض التسويات والاستعداد لحروب طويلة جداً في غزة ولبنان، والتحضير لتوجيه ضربات إلى إيران ونظامها، تعطّل قدراته النووية والتوسعية.
والمثير هو أنّ بعض الأصوات العربية، في البيئات السياسية والإعلامية المعنية، سرعان ما قرّرت الاستفادة من «الليونة » الإسرائيلية لرفع السقف مجدداً، واستعادة الخطاب الذي كان سائداً قبل انفجار الحرب في غزة ولبنان. ومفاد هذا الخطاب أنّ إسرائيل عاجزة عن خوض الحرب مع «حماس » و ««حزب الله » وإيران، لأنّها لا تتحمّل الخسائر المنتظرة بالأرواح، من مدنيين وعسكريين، كما أنّ مجتمعها لم يعد مستعداً لتعطيل الاقتصاد، لأنّه بات بلا قضية وضعيف العصبية.
لكن هذه النظرة إلى إسرائيل واستعداداتها للحرب تبقى مجتزأةومبالغاً فيها. فقد أثبتت الحرب الدائرة منذ تشرين الأول 2023 ، في لبنان وغزة، أنّ حكومة اليمين واليمين المتطرّف في إسرائيل غامرت بمصير 250 رهينة وتابعت الحرب في غزة، وهي تبدو مصرّة على مواصلتها لأشهر أخرى، بل ربما سنوات. كما أظهرت هذه الحكومة شراسة في الحرب على ««حزب الله » على رغم من خسائر الجيش، متجاوزة أزمة النزوح والتعطيل الجزئي لدورة الاقتصاد في الشمال.
وفي الخلاصة، لا يبدو منطقياً الرهان على «هشاشة » الإسرائيليين في مواجهة الحروب. وعلى العكس، تبين أنّ الهشاشة الفعلية هي التي تصيب لبنان وغزة، حيث الضحايا يسقطون بالآلاف لأنّهم بلا ملاجئ، ويعانون الجوع والعطش والمرض، وتُدمَّر منازلهم والبنى التحتية وتُدفن في أنقاضها العائلات.
إذاً، ثمة من يسأل، ما خلفيات الليونة المفاجئة التي تبديها إسرائيل منذ أيام، في غزة ولبنان، وما هو دافعها إلى تنفيذ عملية هزيلة ضدّ إيران، بعدما توعدتها بضربات مزلزلة؟ العارفون يؤكّدون أنّ ما تقوم به إسرائيل اليوم هو مناورة سياسية لا أكثر.
طوني عيسى-الجمهورية