“لا يوجد أحد”.. ماذا فعلت “حرب لبنان بـ”مدينة الشمس

في المدينة الملقبة بـ”مدينة الشمس”، التي تعدّ السياحة مصدر دخلها الأساسي، ألقت الحرب بظلالها على كلّ شيء، خصوصا في الشهر الأخير مع ازدياد وتيرة القصف الإسرائيلي.

وتبدو الحياة في بعلبك شبه متوقفة؛ إذ تغلق المتاجر أبوابها باكرا، ويتسوّق من تبقى من السكان سريعا خلال النهار، ونادرا ما يخرجون بعد الظهر.

تعتبر بعلبك من كبرى مدن البقاع، المنطقة الحدودية مع سوريا، التي تعد من معاقل حزب الله.

وبحسب تقديرات البلدية، دخل المدينة العام الماضي 60 ألف سائح أجنبي، وما بين 6 إلى 8 آلاف سائح عربي، إضافة إلى 100 ألف من  لبنان. أما هذا العام، فقد سجلت نسبة السياحة 5% مقارنة مع 2023.

ولم يبق في المدينة سوى 40% من سكانها، أما مواقعها الأثرية المدرجة على قائمة اليونيسكو، تصارع للصمود أمام الحرب.

حسين: لا يوجد أحد
لم يكن حسين الجمّال (37 عاما) يخال يوما أن حياته ستنقلب “180 درجة”، على حد قوله.
 يتذكر الشاب الذي بقي مع والديه في بعلبك كيف “كانت الطرقات تضج بالحياة، القلعة تستقبل زوارها، المطاعم مفتوحة، والأسواق مزدحمة” قبل الحرب أما “الآن فلا يوجد أحد”.

ويشير الصيدلي الذي يعمل في الجمعية اللبنانية للدراسات والتدريب، وهي منظمة غير حكومية، إلى أن بقاءه مرتبط فعليا بمساعدة الباقين من أهالي المدينة، أو من نزحوا داخلها، فيما غادرت زوجته وطفلاه (5 و8 سنوات)، ويقول: “أعمل في المجال الاجتماعي والإنساني، لا أستطيع المغادرة، ولو غادر الجميع”، مضيفا أن في حيه “4 بيوت مأهولة بالسكان، معظمهم كبار في السن” يتفقدهم صباح كل يوم “لمعرفة متطلباتهم”.

على غرار الجمّال، بقيت رشا الرفاعي (45 عاما) في المدينة مع والديها المسنين، وتتذكر كيف أن “الحياة قبل الحرب كانت عادية جدا، عمل، ناد رياضي، سهر، أصدقاء.. لم يكن لدينا الكثير لنفكر به”، وتضيف: “أما اليوم، فقد تغير كل شيء، فإننا نعمل عن بعد، لا نرى أحدا”.

وتروي الرفاعي العاملة في مجال الدعم النفسي لنساء معرضات للعنف القائم على النوع الاجتماعي، أنه منذ أن بدأت الحرب، انقطع تواصلها مع العديد منهن بسبب فرارهن.

ورغم ذلك، تلازم العائلة منزلها لئلا تتكرر معاناة عاشوها خلال حرب مدمرة بين حزب الله وإسرائيل صيف 2006، وتقول: “تهجّرنا حينها من بيت إلى بيت وعشنا تجربة صعبة لا نريد أن نكررها. طالما الوضع ما دام مقبولا، نحن باقون هنا”.
ربيع: لم نعد نقدم حتى فنجان قهوة واحد
منذ نحو شهر، فرغ فندق بالميرا في مدينة بعلبك في شرق لبنان من زواره تماما على وقع دوي غارات إسرائيلية لا تهدأ من حولهـ لكن ربيع سليقة الموظف منذ 24 عاماً يرفض المغادرة.

في الفندق التاريخي الحجري المطلّ على قلعة بعلبك الأثرية، يزاول ربيع (45 عاما) عمله رغم الحرب، فيمسح الغبار عن أثاثه القديم ومراياه ويزيل الزجاج المتناثر من عصف غارات تضرب في الجوار.

ويقول الرجل المتحدّر من سوريا: “لم يقفل الفندق أبوابه منذ 150 عاما حتى اليوم”، مضيفاً أن “أصحابه يريدون له أن يبقى مفتوحا”.

يتذكّر سليقة بحنين الزمن الماضي حين كان الزوار من سياح ومشاهير يتدفقون إلى الفندق، لكنه يقول: “اليوم لم نعد نقدم حتى فنجان قهوة واحد.. لا نزلاء والفندق خال تماما”.

حين يحدّق بالقاعات الشاسعة الفارغة من حوله، يقول سليقة إنه يشعر “بغصّة كبيرة في القلب”. لكنه رغم ذلك، لم تراوده فكرة العودة إلى مسقط رأسه في السويداء في جنوب سوريا إلى حين انتهاء الحرب.

ويؤكد الرجل الذي غزا الشيب رأسه “لا أستطيع أن أترك الفندق، لقد تربيت هنا وتعلقت بالمكان كثيرا”.

سوق مفتوح لساعة
بعدما بقيت طيلة نحو عام بمنأى عن التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، إلا أن غارات استهدفتها ومحيطها خلال الأسابيع القليلة الماضية.

ويقول رئيس البلدية مصطفى الشل لفرانس برس إن الغارات استهدفت “أماكن تجارية وسكنية”، ويضيف: “السوق التجارية تقريبا شبه مقفلة، تفتح أبوابها ساعة في اليوم، وأحيانا لا تفتح”.

أما المتبقون في بعلبك وهم “نحو 40% من سكانها البالغ عددهم 250 ألف نسمة”، يتركزون خصوصا في أحياء تقطنها غالبية من المسلمين السنة في المدينة المتنوعة طائفيا ومذهبيا.

ويحاول آخر المتبقين في بعلبك مع ذلك “ألا يكونوا في الطرقات خوفا من أي غارة قد تسقط في أية لحظة”، وفق الشل.

وبعدما خرج أحد مستشفيات المدينة من الخدمة تماما، إثر أضرار نجمت عن غارة إسرائيلية قربه، لا تزال 5 مستشفيات أخرى عاملة، وفق رئيس البلدية.

ويضيف أن جلّ ما تستطيع البلدية القيام به، مع غياب أي تمويل رسمي في بلد غارق بانهيار اقتصادي منذ عام 2019، هو “فتح الطرقات وتنظيفها بعد القصف” و”تقديم بعض المساعدات العينية” لعدد قليل من النازحين في مراكز الإيواء.

إضافة إلى قلعتها الأثرية، تضم المدينة مقام السيدة خولة الذي يحظى برمزية دينية لدى المسلمين الشيعة. ويستقطب وفق الشل “بحدود المليون زائر”، سنويا.

دخان الحرب يهدد مواقع أثرية
في السادس من تشرين الأول، تصاعدت سحب دخان جراء قصف إسرائيلي خلف الأعمدة الرومانية الأثرية في قلعة بعلبك، المدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) للتراث العالمي منذ 1984.

حينها، حذّر محافظ بعلبك بشير الخضر من أن لغارات مماثلة “أثرا سلبيا” على القلعة “سواء من الدخان الأسود الذي يؤثر في الحجارة، أو من قوة الانفجار” الذي قد تؤثر ارتجاجاته في الموقع.

وأكّدت اليونيسكو لفرانس برس أنها “تتابع عن كثب تأثير الأزمة الجارية بلبنان في مواقع التراث الثقافي، بما في ذلك مواقع التراث العالمي”.

المصدر : (بلينكس – AFP)

Exit mobile version