محبو حزب الله، قبل معارضيه، يؤكدون ان اغتيال امينه العام السابق السيد حسن نصر الله شكّل نقطة محورية في الحرب المندلعة بينه وبين اسرائيل، وان المكانة التي كان يحتلّها في عقول وقلوب اعضاء الحزب ومؤيديه، لا يمكن لاحد ان يحتلها. بعد استشهاد نصر الله، كان من المنطقي وفق تسلسل القيادة، ان يتولى نائب الامين العام الشيخ نعيم قاسم، مسؤولية قيادة الحزب، ولكن الجميع كان يدرك ان الشيخ هاشم صفي الدين هو الشخص الاقرب الى تولّي المهمة، وهذا ما دفع باسرائيل الى الاسراع في اغتياله ايضاً.
اليوم، اجمع مجلس شورى الحزب على تعيين قاسم اميناً عاماً جديداً، على الرغم من انه لم يكن الخيار الاول، وهو ما ادّى الى عدم تعيين الحزب ايّ شخصية طوال شهر، فيما استعاد عافيته العسكرية وفق ما ثبت من خلال المواجهات التي يخوضها في الجنوب، والاستهدافات لعدد كبير من المستوطنات الاسرائيليّة وصولاً الى تل ابيب، وفي حين كانت الامور تسير بشكل مقبول للحزب، ما الذي دفع الى الاسراع في تعيين امين عام والاعلان عن المسألة؟ يقول الكثير من المطلعين على الاوضاع الميدانية في لبنان، ان الحزب كان افضل حالاً من دون الاسراع في تعيين امين عام جديد له والاعلان عن ذلك لاسباب عديدة، اولها ان الشيخ قاسم بات هدفاً اساسياً للاغتيال بفعل هذا الامر، ولو انه كان عرضة له من قبل، الا ان الدوافع الحالية اصبحت اقوى بالنسبة الى اسرائيل. ومن الاسباب ايضاً، وجوب اعتماد “لامركزيّة” اتخاذ القرارات العسكريّة في هذه الظروف بالذات، لانّها اثبتت جدواها في ظلّ النجاح الاستخباراتي الاسرائيلي (والغربي) في “اصطياد” كادرات الحزب والتنصت على شبكة اتصالاته، واثبت العمل اللامركزي الميداني جدواه ونجاحه في احلك الظروف التي يعيشها الحزب. فما الذي عجّل الاعلان عن تعيين الامين العام الجديد؟.
يقول متابعون لتطور الاحداث في لبنان والمنطقة، ان التعيين كان بمثابة رسالة الى العالم بأنّ الحزب استعاد ركيزته وصورته وجهوزيته، والاهم قراره. لانّه مع التسليم بأن رئيس مجلس النواب نبيه بري يقوم بالدور الذي لعبه عام 2006 في ظلّ وجود السيد نصر الله على رأس الحزب في حينها، الا انه يتعرض للضغط وللاتهامات وللاحكام اضافة الى التشكيك بمواقف الحزب خلال المفاوضات غير المباشرة وما اذا كانت تعبّر عن مجمل الحزب ام عن تيارات وفصائل فيه. وبما انه لم يعد بالامكان الاستمرار في هذا الغموض، كان لزاماً حصول التعيين في اسرع وقت ممكن، في ظلّ المؤشرات التي تفيد بأن الحراك السياسي والدبلوماسي اصبح اكثر جدّية ونشاطاً. والرسالة الاخرى التي تمّ توجيهها من خلال هذا القرار، هي انّ الحزب لم ينتهِ، وهو قادر على الاستمرار في القتال على الجبهات العسكرية، كما على الجبهات السياسية، وحضوره هنا لا يلغي حضوره هناك، بحيث لا بد من سماع كلمته، وعدم الاعتقاد بأنه يمكن القفز فوقه في المسائل الحساسة والدقيقة التي تعني لبنان على كل الصعد، كما انّ الاطراف اللبنانيّة معتادة على التواصل معه الى حد ما، خصوصاً في المسائل المرتبطة بالشؤون الاداريّة والملفّات التنفيذيّة بشكل عام.
لا يملك قاسم شخصية السيّد الشهيد، ولا قدرته على التحكّم بكل الملفات والمواضيع المرتبطة بالحزب داخل لبنان وخارجه، وللامانة فإنّ كل المنتمين الى الحزب ومؤيديّه يؤكّدون انّ احداً لا يمكنه ملء الفراغ الذي تركه الامين العام السابق اياً يكن اسمه، ولكن قاسم اسم مألوف وهو واكب كل مراحل الحزب التأسيسية، والاقل استفزازاً وحدّة بين المسؤولين الباقين فيه، وقد يكون الاكثر ملاءمة لمواكبة المرحلة المقبلة التي يعتقد انها ستكون الاخيرة قبل الوصول الى الحلول.
بالتالي، يعتقد المتابعون ان تعيين قاسم اميناً عاماً جديداً هو نداء من الحزب الى من يعنيه الامر، بأنه عاد رسميا الى الساحة، ويتحضر لمواكبة ما ستحمله الايام والاسابيع المقبلة، بعقلية منفتحة.
طوني خوري-النشرة