إسرائيل أيضاً تحسم: “الكلمة للميدان”.. والسياسة معلّقة في لبنان
حين بدأ حزب الله حرب الإسناد أو المشاغلة، وفق تسميته، أعلن، بالممارسة، أن “الكلمة للميدان”: يشاغل ، يساند، ويحدد “قواعد الاشتباك” وفق قراءته السياسية التي لم يرد في أي من سيناريوهاتها المعلنة ما يختبره لبنان اليوم.
أقلّه، لم يكاشف حزب الله اللبنانيين بما يمكن أن يتوقعوه من أي حرب مع إسرائيل. لم يرد في أي سيناريو “تحضيري” جرف القرى وتهجير أكثر من مليون إنسان. على العكس، في كل خطب مسؤولي الحزب ومحلليه، ومن يدور في فلكه السياسي، كان الإيحاء بأن الصلاة في القدس “قاب قوسين أو أدنى”.
لكن حزب الله ليس اللاعب الوحيد على أرض المعركة. فبدورها، تجزم إسرائيل أن “الكلمة للميدان”. وبعد إقفال كل أبواب المفاوضات، ومع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وسقوط ما تبقى من أوراق ضغط ممكنة بيد الرئيس الحالي جو بايدن، لا شيء سيعدّل من برنامج بنيامين نتنياهو: الكلمة للميدان. وسياسة الميدان الإسرائيلي واضحة في غزّة، كما في لبنان. هي سياسة الأرض المحروقة وإبادة كل من يساند، ولو معنوياً، حماس وحزب الله.
لا يحتاج نتنياهو، في كل فترة، إلى إعلان تعديل الأهداف السياسية للحرب. صار جليّاً أن زمن السياسة لم يحن بعد لا في غزّة ولا في لبنان. ولن يوقف نتنياهو الحرب إلاّ بتحقيق مخططه وإنجاز أهدافه العسكرية التي سيترجمها لاحقاً مكاسب طويلة الأمد.
هل كان الحزب يعلم؟
في لبنان، الذي يستنسخ نتنياهو فيه نموذج غزّة، صارت “الأهداف” معروفة. تهجير قرى وتدميرها، تفجير أنفاق الحزب، حرق الأراضي واقتلاع زيتونها وتبغها وأحراجها، تدمير الأسواق والمؤسسات… باختصار، القضاء على أي إمكانية للحياة، أقله على عمق 3 وربما 5 كلم. في الموازاة، توجيه أقسى الضربات باغتيال قادة الحزب بدءاً من أمينه العام وصولاً إلى قادته الأمنيين ومسؤوليه المحليين. تهجير “بيئته” واستنزافها حدّ انفكاكها عنه، وفق المخطط الإسرائيلي. يحصل كل ذلك، وسط إحساس لبناني عام بانكشاف البلد تكنولوجياً وأمنياً وتحت أنظار الـ”أم. كا” وعلى الأرجح بمخبرين وجواسيس.
تطرح هذه الوقائع مجدداً فكرة التفوق العسكري والأمني الإسرائيلي وتفرض سؤالاً ملحّاً: ألم يكن حزب الله يعلم؟
هل بنى كل سياسته العسكرية على تجربة الـ2006؟ هل كدّس فقط الأسلحة وحفر الأنفاق منتظراً تكرار سيناريو ذاك التموز والالتحام بجيش العدو واستعداد مقاتليه للموت والشهادة؟ هل راهن أن إسرائيل فعلاً “أوهن من بيت العنكبوت” وأعجز من الصمود في حرب طويلة؟ أو أن جيشها “جبان” لا يدخل في مواجهات؟ وأن اللعبة “عضّ أصابع” ومن يصمد أطول في مواجهة الموت والدمار وتقطع سبل الحياة.. الحياة الكريمة؟
هل هذا هو الرهان على الميدان؟
إن كان كذلك، على ما يبدو، فإن الوقائع جاءت لتدحض كل الرهانات وتكشف هزالتها و”جهلها”.
فإسرائيل، مع نتنياهو تحديداً، تذهب حدّ التطرف بالحلول الجذريّة التي تريد تحقيقها. وبعد أكثر من سنة على الحرب، تبدو مستعدة لدفع كل الأثمان، من الأرواح إلى الاقتصاد وما بينهما، وهو ما لم يكن خافيا منذ بداية الحرب والمفاوضات حول الأسرى الإسرائيليين في غزّة، إلى اليوم.
إسرائيل تراهن اليوم أن “الكلمة للميدان”، وله السلطة والسطوة على المجتمع الإسرائيلي، الذي رغم انقساماته حول الحرب وأعبائها، وحول سياسة نتنياهو ورعونته، وحول مقاربة الحلول الجذريّة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يبقى مجتمعاً متماسكاً بالمفهوم الدولتي.
فهل لبنان كذلك؟
يتشارك عدد من السياسيين المخاوف من “الآتي الأكثر خطورة في حال استمرار تعنت حزب الله”. في قراءة هؤلاء أن “إسرائيل أعطت في غزّة مثالاً عن المستوى الذي يمكن أن تصل إليه في عدوانها. لذا فهي، على الأرجح، ستواصل تصعيدها لتضرب بنية الحزب العسكرية وتمنعه لاحقاً من إعادة ترميمها، ولو اقتضى ذلك المزيد من التضييق على لبنان ومنافذه البحرية والجوية والبرّية. وستستخدم كل الظروف ضده، ومن بينها الشتاء الآتي، الذي سيكون قاسياً على مقاتلي الحزب، كما على بيئته النازحة والعبء الذي سينعكس عليه”.
هي أيام صعبة آتية، أكثر ما يُقلق فيها أن السياسة معلّقة و”الكلمة للميدان”.
دنيز عطالله – المدن