إسرائيل بين إنهاء الحرب وتوسيعها.. ماذا يريد نتنياهو فعليًا

يستمرّ “التضارب” سيّد الموقف على خطّ التصريحات والتسريبات الإسرائيلية في ما يتعلق بوقف إطلاق النار في  لبنان، فتارةً يروّج الإسرائيليون لتفاؤل غير مفهوم، بناءً على اتفاق مزعوم لم يتلقَّ لبنان الرسميّ أيّ معطيات جدّية أو ملموسة بشأنه، وطورًا يعلنون الدخول في مراحل جديدة من العملية البرية، ويطلقون أنماطًا جديدة من الهجوم والاستهداف، بل يتوعّدون باستكمال الحرب حتى تحقيق أهدافها، التي لا تبدو موحّدة أصلاً.

ينعكس هذا “التضارب” على تصريحات المسؤولين الإسرائيليين من المستويين السياسي والعسكري، ومنهم وزير الأمن الجديد يسرائيل كاتس الذي حلّ مكان الوزير المُقال يوآف غالانت، والذي كرّر أكثر من مرة في اليومين الماضيين ثابتة أنّه لن يكون هناك أي وقف لإطلاق النار لا يحقق أهداف الحرب، التي قال إنّ من بينها تجريد “حزب الله” من السلاح، مشدّدًا على أنّ إسرائيل ستواصل ضرب الحزب “في كل مكان”.
 
في المقابل، كان لافتًا ما نقله الإعلام الإسرائيلي عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه، لجهة أنه يعتقد بأنه يجب إنهاء حرب لبنان وأنه لا يمكن تحقيق إنجاز بحجم اغتيال الأمين العام السابق لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، ما يطرح مجموعة من علامات الاستفهام عمّا يريده نتنياهو فعليًا، فهل يدفع فعلاً باتجاه التسوية التي من شأنها وضع حدّ للحرب، أم أنّه على العكس من ذلك، يمهّد لتوسيع الحرب وتعميقها أكثر فأكثر؟!
الخسائر الإسرائيلية تتضاعف 
ليس خافيًا على أحد أنّ من أسباب “ارتباك” الموقف الإسرائيلي، إن صحّ التعبير، هو حجم الخسائر الإسرائيلية التي تضاعفت على الجبهة  اللبنانية في الأيام القليلة الماضية، في ضوء الهجمات الصاروخية المتصاعدة التي ينفذها “حزب الله”، والتي بات يصحّ وصفها بـ”الدقيقة”، في ظلّ الأهداف المحدّدة التي يعلن عنها الحزب في بياناته العسكرية، ولا سيما مع دخول مقار ومستوطنات جديدة على خطها، بما في ذلك مقرّ وزارة الدفاع أمس.
 
وإلى جانب الهجمات الصاروخية التي ينفذها “حزب الله”، والتي وصلت إلى أوجها في اليومين الماضيين، مع تسجيل رشقات وُصِفت بالأضخم، فإنّ العملية البرية التي قال الإسرائيليون إنّها دخلت مرحلتها الثانية لا تبدو هي الأخرى في أفضل أحوالها، مع سقوط العديد من الجنود الإسرائيليين قتلى في كمائن المقاومة، علمًا أنّ “فاتورة” الحرب الإسرائيلية على لبنان تبدو “ثقيلة” استنادًا إلى الأرقام التي يُكشَف النقاب عنها بين الفينة والأخرى.
 
وإلى كلّ ما سبق، يتحدّث العارفون كذلك عن تراجع في الزخم الذي تحقّق في الأيام الأولى من الحرب الإسرائيلية على لبنان، حين استطاعت إسرائيل أن تقلب المعادلات رأسًا على عقب من خلال الضربات “النوعية” التي نفذتها، خصوصًا باغتيالها الأمين العام السابق لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، وهي الضربة التي لن تضاهيها أيّ ضربة أخرى مهما بلغت قوتها، بل إنّ الحزب بات قادرًا على “استيعاب” كلّ الضربات الأخرى من بعدها.
 
ماذا يريد نتنياهو؟
 
انطلاقًا من ذلك، يمكن فهم التسريبات الإسرائيلية الأخيرة انطلاقًا من التصريحات المنسوبة لنتنياهو، التي سواء تبنّاها الرجل أم لا، تشكّل خير تعبير عن قناعة راسخة لدى شريحة واسعة من المستويين السياسي والعسكري الإسرائيلي، ممّن يعتبرون أنّ الوقت الحالي هو “أكثر من مناسب” لإنهاء الحرب، بل إنّ بينهم من يرى أنّ اللحظة “المثالية” لذلك كانت عند اغتيال السيد حسن نصر الله، الذي كان بالإمكان “استثماره” سياسيًا في المفاوضات.

 
ويرى العارفون أنّ ما يخشاه الإسرائيليون تحديدًا هو أن تسهم إطالة أمد الحرب في تعزيز الموقف التفاوضي لـ”حزب الله”، خصوصًا بعدما استطاع الأخير أن يستعيد عافيته نسبيًا، وأن يسترجع معها جزءًا غير بسيط من قوة وهيبة الردع، وهو يعتبر أنّه “منتصر” طالما أنّه لا يزال قادرًا على ضرب المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية، وأنّه لا يزال قادرًا على التحكم بمجريات الميدان، وأنّ ترسانته الصاروخية لم تفكَّك بعد كما يزعم الإسرائيليون.
 
لكنّ هذا الرأي، الذي يبدو واقعيًا إلى حدّ بعيد، باعتبار أن الإسرائيليين يفضّلون الذهاب إلى تسوية يحقّقون من خلالها ما لم ينجحوا في تحقيقه بالميدان، يصطدم مع رأي يقول بأنّ “حزب الله” اليوم لم يعد نفسه “حزب الله” بعيد اغتيال السيد نصر الله، وبالتالي أنه لن يقبل بفرض الشروط عليه، خصوصًا ما يتعلّق منها بإعطاء إسرائيل “حرية الحركة” في  لبنان مستقبلاً، وبالتالي “الحق” بالرد على أيّ مصادر تهديد يمكن أن تظهر.
 
تمامًا كما كان “حزب الله” قبل بدء الحرب، يقول إنّه جاهز لكل الخيارات، فهو لا يريد الحرب، ولكنه جاهز لها إذا ما فُرِضت عليه، تحاول إسرائيل أن تقول اليوم إنّها “منفتحة” على كلّ الخيارات، ولكن بشرط أن تلبّي تطلّعاتها، بمعنى أنّها مستعدّة للتسوية إذا جاءت وفق شروطها، وإلا فإنّها ذاهبة لتوسيع الحرب والمعارك حتى النهاية، فهل يكون أداء “الحزب” العسكري في اليومين الماضيين بمثابة “رد ضمني” على الطرح الإسرائيلي “المضمر”؟!

Exit mobile version