بعد أن دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله والعدو الاسرائيلي في لبنان حيّز التنفيذ الرابعة من فجر الأربعاء في 27 تشرين الثاني الجاري، واصلت “إسرائيل” كلامها على “الاتفاق السرّي” الذي عقدته مع الولايات المتحدة الأميركية لضمان أمن السكّان في المستوطنات الشمالية، الذي يضمن لها من وجهة نظرها، حرية العمل أو التحرّك في لبنان في حال جرى انتهاك أو خرق الاتفاق، أو تعرّضت لهجوم ما من قبل حزب الله. هذا الاتفاق الجانبي وما يتضمّنه من بنود، أعلن لبنان الرسمي أنّه غير معني به، سيما أنّه لم يُشرّع، لا حكومته ولا الأطراف المعنية بمراقبة تنفيذ الاتفاق والقرار 1701، للعدو المسّ بسيادة لبنان الوطنية. كما أنّه أعطى للبنان الحقّ الأصيل في الدفاع عن النفس، بما يتفق مع القانون الدولي (وفق النقطة 4 من الإتفاق)، تماماً كالحقّ الذي حصل عليه العدو، رغم التزام الطرفين بالقرار المذكور، وهو أمر كافٍ للبنان.
وإذ بدأ كلّ من الطرفين يُعلن أنّه المنتصر، كونه حقّق أهدافه في المعركة التي بدأت بين حزب الله و “إسرائيل” في 8 تشرين الأول من العام الماضي، وتحوّلت الى تصعيد عنيف خلال الشهرين الفائتين، تتحدّث أوساط ديبلوماسية واسعة الاطلاع عن أنّ هذا الاتفاق يضمن للطرفين عودة الأمن والاستقرار والهدوء الى لبنان، ولا سيما الى المنطقة الجنوبية الحدودية. فالاتفاق ليس مؤقّتاً، أو مجرّد هدنة لمدّة 60 يوماً، بل هو وقف دائم لإطلاق النار، على ما طالب لبنان. إلّا أنّ هذه الفترة قد جرى تحديدها من أجل بدء تنفيذ البنود الـ 13 التي يتضمّنها الاتفاق، والذي يستند الى ما ينصّ عليه القرار 1701، الذي تمسّك لبنان ببنوده من دون زيادة أو نقصان، وهذا ما حصل.
وبمحرّد وقف الأعمال الحربية فجر الأربعاء، عاد المهجرون بأعداد كبيرة الى الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، في حين رفض المستوطنون العودة الى المستوطنات الشمالية، مع العلم بأنّ حكومتهم قد دفعت مبلغ 50 ألف دولار لكلّ عائلة لتشجّعها على العودة الى منزلها. وهذا يدلّ على أن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو لم يتمكّن من تحقيق الهدف الأساسي من حربه على لبنان، ألا وهو إعادة المستوطنين الى الشمال. علماً بأنّه حصلت خروقات خلال اليومين الأولين من دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، ما جعل المسؤولين يطالبون بضرورة الالتزام ببنود الاتفاق من قبل الطرفين.
وعمّا سيحصل خلال فترة الـ 60 يوماً، وملامح المرحلة المقبلة في لبنان، تكشف الأوساط أنّه أولاً سيقوم الجيش اللبناني بالانتشار في المناطق الجنوبية الحدودية. عندئذ تبدأ القوّات “الإسرائيلية” التي دخلت الى كيلومترين أو ثلاثة داخل الأراضي اللبنانية بالمغادرة. وهذا لا يعني أنّ الأمر سيتطلّب فترة الشهرين، بل إنّ عدداً من القوّات “الإسرائيلية”، سينسحب خلال الأسابيع الأولى من المناطق التي سيدخل اليها الجيش اللبناني، وسيُستكمل الانسحاب بشكل تدريجي، لتُغادر كامل القوّات على مرّ الـ 60 يوماً… وهذا يتوقّف على جهوزية الجيش اللبناني في الانتشار في الجنوب. وقد بدأ فعلاً بتجهيز جنوده لإرسالهم الى الجنوب على مراحل ودفعات.
وتحدث الوزير سليم في هذا السياق عن أنّه سيتمّ رفع عدد الجنود اللبنانيين، ليُصبح مجموعهم 10 آلاف عسكري، على أن يتم نشرهم بشكل تدريجي، مشيراً الى أنّه ثمّة “خطة لتدريب وحدات تشمل بعددها الأقصى الحالي 6 آلاف عسكري إضافي، وكل دفعة تشمل 1500 عسكري، ويستغرق التدريب 3 أشهر، وبعدها يتمّ توزيعهم على وحدات الجيش، وسيكون عملهم مع قوّات “اليونيفيل” مثلما كان في السابق”.
من هنا، ستُشرف لجنة المراقبة التي سمّاها الإتفاق “الآلية”، بعد أن يجري تعزيز اللجنة الثلاثية التي تتألّف من لبنان و”إسرائيل” وقوّات “اليونيفيل”، وستنضمّ اليها كلّاً من الولايات المتحدة وفرنسا لتُصبح خماسية، على عملية انسحاب القوات “الاسرائيلية” وتسلّم الجيش اللبناني لمواقعها. ويتطلّب الأمر تنسيقاً مع الجيش اللبناني لمعرفة موعد إعادة انتشاره في المناطق الجنوبية، وإبلاغ “الإسرائيليين” به، الأمر الذي يجعل العملية تتمّ بشكل جيّد ومرن.
فجميع بنود الاتفاق ستُنفّذ خلال فترة الشهرين، على ما أوضحت الأوساط، منها بشكل فوري مثل وقف إطلاق النار الذي التزم به لبنان والعدو مباشرة، وتبقى الأمور الأخرى التي سيتمّ تطبيقها خلال الأسابيع والمرحلة المقبلة. وبالطبع لا بدّ من تطبيق بنود القرار 1701، وفق بنود الاتفاق التي وافقت عليها جميع الأطراف المعنية. أمّا “الآلية” فستُراقب كلّ ما يحصل على الأرض للتأكّد من التنفيذ، ومن حفاظ الطرفين على الهدوء والاستقرار طوال المرحلة المقبلة.
وفي ما يتعلّق ببند “حقّ الدفاع عن النفس”، شرحت الأوساط الديبلوماسية بأنّ كلّاً من لبنان و”إسرائيل” يملك هذا الحقّ، وفقاً لما ينصّ عليه القانون الدولي… على أنّ “الآلية” التي سترأسها الولايات المتحدة الأميركية عن طريق تعيين جنرال وصل الى بيروت كقائد لها (من دون انتشار أي قوّة أميركية في الجنوب) بالتشارك مع فرنسا، ويجري تأسيسها اليوم لأنّها لم تكن قائمة سابقاً، فستتلقّى الشكاوى سواء من لبنان، أو من “إسرائيل” في حال حصل أي خرق او انتهاك للاتفاق. وعندئذ تتأكّد من أنّه حصل فعلاً، فتجري معالجته لإيقافه. وفي حال وجود أي تهديد أو خروقات مستمرة لأي من الطرفين، فسيكون هناك تبعات لهذا الأمر. علماً أنّ الهدف الأساسي من “الآلية” الى جانب الجيش اللبناني وقوّات “اليونيفيل”، هو منع حصول أي خرق أو تهديد لأي من الطرفين، وللتأكّد من أنّهما يُنفّذان ويلتزمان بوقف إطلاق النار. كما أن وجودها من شأنه استبعاد اللجوء الى “حقّ الدفاع عن النفس”.
يبقى القول إنّ لبنان دخل محطة جديدة ومرحلة جديدة من تاريخه، سوف تتمّ خلالها تضميد الجراح وتعزيز الوحدة الوطنية للحفاظ على قدر كبير من الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي، وانتخاب رئيس الجمهورية خلال فترة الـ 60 يوماً، إذا أمكن. وتصبّ زيارة الممثل الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان اليوم الى لبنان في إطار التشجيع على هذا الانتخاب. وقد حدّد خلالها رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي موعداً لجلسة انتخاب الرئيس الـ 13 في 9 كانون الثاني المقبل. علماً بأنّ البند الأخير المتعلّق بالمفاوضات غير المباشرة بهدف حلّ النقاط المتنازع عليها المتبقية على طول الخط الأزرق، فسيتمّ العمل عليها في المرحلة المقبلة.
دوللي بشعلاني – الديار