بعد صدور تقرير ديوان المحاسبة حيال عدم موافقته على طريقة عمل وزارة الاتصالات مع شبكات الإنترنت غير الشرعية لجهة التعاقد الرضائي مع هيئة “أوجيرو” ليصار إلى تعاقد الهيئة بدورها مع الشبكات غير الشرعية ودفع مبلغ بقيمة 300 مليار ليرة كبدل صيانة دون ضبط هذه الشبكات أو إدارتها، تبلغت الوزارة الأسبوع الماضي مطالعة هيئة التشريع والاستشارات في موضوع الاستشارة التي تقدّم بطلبها وزير الاتصالات جوني القرم. المطالعة وجهت اللائمة إلى وزير الاتصالات لإصداره آلية التكليف بغرامة مالية على مزوّدي خدمة الإنترنت، لأنه كان مفترضاً بوزير الاتصالات اتخاذ القرار، إما بفرض الغرامة على مزود خدمة الإنترنت المخالف سنداً إلى قرار التأجير المتعلق بهذه الخدمة، أو بإلغاء قرار التأجير المذكور، علماً بأن هذه الصلاحية كانت ولا تزال متاحة أمام وزير الاتصالات منذ تاريخ صدور المرسوم رقم 956 تاريخ 22/6/2017 وفقاً لماً ورد حرفياً في استشارة هيئة التشريع والاستشارات.
ويُفهم من المطالعة أن وزارة الاتصالات أضاعت وقتاً طويلاً وموارد كبيرة في أعمال غير ضرورية من تشكيل لجان وهدر ساعات عمل وإعداد مشاريع مراسيم وقرارات لا حاجة لها والتفاوض مع الشركات غير الشرعية، بدل اتخاذ قرارات فعلية وحاسمة. فبعد محاولة وزير الاتصالات طوال ثلاثة أعوام إيجاد حلول لشركات الإنترنت غير الشرعية عبر إعداد ورفع المرسوم رقم 9458/2022 إلى مجلس الوزراء، لم يُصر الى تقديم أيّ خطوة ملموسة لتحديد مصير هذه الشركات، بل استمر التسويق لآلية غير ضرورية لدفع الغرامات من الشركات المخالفة، دون أن يُتخذ قرار واحد بشأن تغريم هذه الشركات أو إلغاء قرارات تأجيرها. والحجة في ذلك هي عدم قطع الخدمة عن المستهلكين على خلفية أن الإنترنت الشرعي غير متوافر في بعض المناطق اللبنانية، ليتخذ الوزير إجراءات معقدة تساير الشركات المخالفة بدل فرض تدابير حازمة عبر ممارسة صلاحياته وفقاً لما ورد في تقرير ديوان المحاسبة الصادر في عام 2021 عن الشبكة الثابتة.
ولكن المشكلة أن هذا التباطؤ أتى على حساب الخزينة العامة، إذ تواصل شركات الإنترنت غير الشرعية استثمار الإنترنت دون دفع ما يجب عليها للدولة، فيما يقدر الهدر المالي بملايين الدولارات حتى تاريخه، إذ كان يُفترض بوزير الاتصالات أن يبادر أن يتخذ القرارات الجذرية التي تسهم في تصحيح الوضع بدلاً من تمديد الفترة الزمنية لتفيد بذلك الشركات المخالفة لجني أرباح غير مشروعة تصل إلى مئات ملايين الدولارات خلال هذه السنوات.
وفيما شبّه وزير الاتصالات جوني القرم قطاع شبكات الإنترنت غير الشرعية بمولدات الكهرباء المنتشرة في الأحياء، فيطلب من المواطنين التوجه بالشكوى الى وزارة الاقتصاد، بيد أنه غاب عن الوزير أن مولّد الحيّ ينتج الخدمة بنفسه ويوزعها للمستهلك دون الحاجة الى وزارة الطاقة، فيما صاحب شبكة الإنترنت المخالفة لا ينتج أي خدمة بتاتاً، بل يحصل عليها من وزارة الاتصالات نفسها من خلال شركات نقل المعلومات المرخصة. وهذا يعني أن وزير الاتصالات هو من يتحكم بالخدمة من المنبع، لذلك يتمتع الوزير بسلطة واسعة لتنظيم شبكات الإنترنت غير الشرعية وفقاً لما ورد في تقرير الديوان الصادر عام 2021 دون الحاجة الى استصدار مراسيم وقرارات وآليات لا حاجة لها إطلاقاً، بالإضافة إلى مسايرته الشركات غير الشرعية من خلال التفاوض معها بلطافة مفرطة بدل ضبط شبكاتها وتخصيص سعات الإنترنت تبعاً للحاجة الفعلية.
تختم هيئة التشريع والاستشارات الاستشارة بأنه “لا جدوى” من العمل الذي قامت به وزارة الاتصالات، بمعنى أنه كان بمثابة لزوم ما لا يلزم، فهو لا يهدر فقط الوقت للمديرين والموظفين في وزارة الاتصالات، بل يقوم بتشغيل الهيئات الرقابية ولا سيما مجلس شورى الدولة وديوان المحاسبة وهيئة التشريع والاستشارات بطلبات يعرف مسبقاً أنها ليست سوى مضيعة للوقت والجهد والمال العام.
النهار