تدريجاً حاولت إسرائيل قطع خطوط الإمداد من إيران إلى حزب الله عبر قصف المعابر البرية على الحدود بين لبنان وسوريا الممر الإلزامي لأي سلاح إيراني يتجه إلى الجنوب أو البقاع.
على مدى أيام العملية العسكرية البرية كان الجيش الإسرائيلي يستهدف المعابر الشرعية وغير الشرعية، ويغير على شاحنات السلاح قبل أن تبلغ الأراضي اللبنانية، وعندما حان وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، سرت معلومات عن ضمانات روسية بمنع عبور الأسلحة ووصولها إلى الحزب، إلى أن جاءت الضربة الكبرى وعملية قطع حبل السرّة بين إيران وحزب الله الذي من خلاله تسلّح وكدّس الصواريخ في الجبال والوديان وتحت المنازل والمباني.
هذه الضربة لا شكّ بأنها جاءت من دماغ مهندسين أميركيين-إسرائيليين وبإشرافٍ تركي على التنفيذ، فكان رجل المرحلة وقائد العملية الكبرى أبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام، بعد تبديل ملابسه ونزع العمامة عن رأسه واستبدالها بالقبعة العسكرية.
زعيم جبهة تحرير الشام، وهي التسمية التي حاول من خلالها نزع صفة الإرهاب التي أطلقتها الولايات المتحدة على تنظيمه، مقرونة بعشرة ملايين دولار كجائزة لمن يدلي بمعلومات عنه، استبدل الاسم الذي عُرف به أبو محمد الجولاني باسمه الحقيقي أحمد الشرع في محاولة لفك ارتباطه بتنظيم القاعدة، أطل عبر شاشة “سي إن إن” الأميركية، متحدثاً بهدوء وإعداد لافت للمواقف التي أطلقها حول مشروعه لقيادة سوريا المرتكز على التعددية وإشراك كل أطياف المجتمع السوري والعدالة والمساواة والتسامح، قبل أيام قليلة على سقوط نظام بشار الأسد، دون أن نغفل أن محاورته كانت تضع غطاءً على رأسها وكأنها في حضرة مفتٍ أو شيخ، وليست أمام قائد عسكري، وقد جاء كلام مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية حول عدم استبعاد رفع جبهة تحرير الشام عن قائمة الإرهاب ليؤكد وقوف الأميركيين وراء إسقاط النظام السوري.
المدن والمحافظات السورية بالسهولة التي جرى بها كان مستغرباً، إلى أن اقتربت فصائل المعارضة المسلحة من دمشق، حيث أوهم النظام السوريين والعالم بأن الجيش يضرب طوقاً أمنياً لحماية العاصمة والرئيس الأسد؛ في الغضون كانت الدوحة تستضيف لقاء لاستعادة مسار أستانا، لكن الأمور كانت أبعد من ذلك إذ عملت على توفير خروج آمن للأسد وحاشيته الحاكمة من دون تحويل سوريا إلى حمام دماء؛ وفي المعلومات أن وزراء خارجية عرباً ومسار استانا (تركيا، ايران وروسيا) تواصلوا مع الأسد ليظهر مساء السبت معلناً تنحيه فرفض، مبدياً استعداده لتنفيذ القرار 2254 فوراً. عندها اقترحت روسيا إنقلاباً شكلياً بقيادة رئيس الأركان السوري، لكنّ الأسد رفض بشكل قاطع وعاتب الروس لأنهم قد تخلّوا عنه.
وتضيف المعلومات أن الرئيس السوري المخلوع قد استفسر من إيران عن سبب سحب دبلوماسييها وقادتها العسكريين بشكل مفاجئ قبل أربعة أيام، وعندما لم يحصل على إجابة، استشاط غضباً واتهم الإيرانيين بالمتاجرة بسوريا.
وعندما استوضح الأسد أسباب تأجيل اجتماع الوزراء العرب حول سوريا وإدانة الفصائل المسلّحة كان الجواب على لسان أحد الوزراء العرب: “ماطلت وتأخرت كثيراً في تنفيذ وعودك”.
وفي ضوء تخلي روسيا وإيران عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم وهو ما جاء في العلن وعلى ألسنة مسؤولين كبار في موسكو وطهران، كان الأسد على تنسيق مع فصائل المعارضة المسلحة، وطلب إلى الجيش الانسحاب من مراكزه أمام تقدم المسلّحين بما يشبه عملية التسلّم والتسليم وليس الثورة أو الإطاحة، وغادر إلى روسيا كلاجىء لظروف إنسانية، بعدما تحوّل نصف الشعب السوري إلى لاجىء في ديار العالم الواسعة، وإلى قابعين في أقبية التعذيب في سجون النظام فقدوا الذاكرة والعافية.
ما حصل في سوريا السبت الماضي فاجأ حزب الله الذي أوفد ألفي مقاتل من قوة الرضوان للدفاع عن حمص، لكنّ ما كُتب قد كُتب وعاد المقاتلون بخفّي حنين، ونال الحزب صفعة أخرى وخسارة أكبر مما تكبده باغتيال كبار قياداته السياسية والعسكرية عبر قطع شريان التسليح، واستعداد نظام طهران للتعامل مع السلطة السورية الجديدة التي تعتبر إيران عدوّاً. فكيف سيكون شكل المنطقة ودور حزب الله في الداخل اللبناني؟