في وزارة الدفاع، تم احتجازي أياما وحُرمت التواصل مع المحامين، رغم أن القانون كان يتيح لي ذلك. قضيت فترة طويلة في حالة من الترقب والجهل بمصيري. كنت أعاني مشاكل صحية، وواجهت أزمة قلبية خلال فترة الاعتقال. ورغم نقلي إلى المستشفى العسكري، قضيت ثلاث ساعات من دون تلقي أي علاج أو إخضاعي لفحص طبي، قبل أن يعيدوني إلى الزنزانة”.
هكذا روى سيف الدين كردي، أمين سر “المرصد الشعبي لمحاسبة الفساد”، في حديثه إلى “النهار” تفاصيل احتجازه بعد توجيه تهمة الإرهاب إليه بسبب مشاركته في تظاهرات انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019.
قضى كردي أياما قاسية تحت التحقيق في وزارة الدفاع، حيث تعرض لمعاملة مهينة، قبل أن يُنقل إلى سجن الريحانية من دون أن يعرف سبب توقيفه، سوى أنه رفع صوته ضد الفساد المستشري في لبنان.
صحيح أن السجون السورية سرقت الأضواء في الآونة الأخيرة بسبب ما عاناه المعتقلون هناك، إلا أن لبنان أيضاً شهد انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان خلف القضبان وفي أروقة المحاكم.
مُنعت زيارات الأهل عن سيف الدين كردي في أثناء احتجازه، ولم تتمكن والدته من إيصال الحاجيات إليه. بعد أسبوعين من الاحتجاز، ونتيجة للضغط الشعبي على وسائل التواصل الاجتماعي، تم إطلاقه، لكنه اتُّهم بالإرهاب. ورغم إطلاقه، ما زالت قضيته معلقة في القضاء من دون أي معلومات عن مصيرها.
قضية كردي واحدة من آلاف القضايا التي عادت إلى الواجهة، وقد شهدت السرايا الحكومية اجتماعا بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزيري الداخلية والبلديات بسام مولوي والعدل هنري خوري للبحث في أوضاع السجون. وأوعز ميقاتي بتكليف قاضٍ من النيابة العامة التمييزية وضابط من قوى الأمن الداخلي وممثل للصليب الأحمر للكشف على السجون ومتابعة ما يلزم، إلى حين توصل مجلس النواب الى ما يراه مناسباً في موضوع العفو العام.
وفي السياق نفسه، علّق الناشط الحقوقي المحامي الدكتور جاد طعمه لـ”النهار” على الوضع في السجون اللبنانية، مشيرا إلى التحديات الكبيرة المتعلقة بحقوق الإنسان. وقال: “السجون تعاني الاكتظاظ الشديد، مما يؤثر على الظروف داخلها ويصعب توفير بيئة صحية وآمنة، كما أن المحاكمات تسير ببطء، مع تأخير في بت القضايا، بما يطيل مدة الاحتجاز قبل المحاكمة”.
يؤكد طعمه أن وضع الطعام والرعاية الصحية في السجون اللبنانية ليس مثالياً، بسبب نقص الموارد الذي يؤثر على نوعية الخدمات المقدمة. ويشدد على أهمية “تسليط الضوء على وضع السجون العربية، ولا سيما في لبنان، بعد فضيحة سجون سوريا، والسعي إلى تحقيق إصلاحات جذرية تضمن احترام حقوق السجناء. ويرى أن الإصلاح يجب أن يشمل تحسين الظروف المعيشية، والتعجيل في المحاكمات، وضمان ممارسات قانونية تلتزم حقوق الإنسان”.
ويتحدث عن “ضرورة النظر في تطبيق العقوبات البديلة، مثل العمل المجتمعي أو الإقامة الجبرية، لتخفيف الضغط عن السجون والتقليل من الاكتظاظ، معتبرا أن العقوبات البديلة تشكل حلاً فعالاً لتحقيق العدالة وتخفيف العبء على النظام القضائي والسجون، التي أصبحت في لبنان معاهد لامتهان الجريمة بدل أن تكون أماكن للإصلاح”.
في المحصلة، يظل إصلاح السجون وتحسين أوضاعها مسألة ملحة في لبنان وفي العديد من الدول العربية. وبعدما انتهت قضية سجن صيدنايا، المعروف بـ”المسلخ البشري” في سوريا، نأمل أن تكون هذه نهاية للانتهاكات التي شهدتها السجون في المنطقة، وأن تنبثق من هذه التجارب المريرة دعوات جادة لتحسين ظروف الاحتجاز ومعاملة السجناء، بما يضمن احترام حقوق الإنسان ويعزز العدالة.