سمير جعجع في دمشق

سمير جعجع في دمشق

افتتح النائب السابق وليد جنبلاط موسم الحج اللبناني الرسمي إلى دمشق. قبله وبعده حصلت أمور كثيرة، من بينها تواصل بين القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. الجديد هو تولّي النائب السابق فارس سعيد مهمة إحياء خط بيروت – الشام مسيحياً.

في البعد المسيحي – السياسي، كانت رسائل “حارة” عبّر عنها الشرع خلال لقائه جنبلاط والوفد المرافق له، حين تطرّق إلى مسألة اغتيال الرئيس الأسبق للجمهورية بشير الجميل، محمِّلاً النظام السوري مسؤولية دمه. لعبة ذكية حاول الشرع من خلالها “دغدغة” مشاعر المسيحيين من اللبنانيين وفتح باب التعاون معهم في قضية الجميل وما يتجاوزها.

نظرياً، يستهدف الشرع ما هو أعمق، إذ يرمي إلى اكتساب المسيحيين في لبنان حليفاً استراتيجياً لدمشق على ما يبدو، وتبعاً لنصيحة أتته من مكان ما، كاسراً قاعدة لم تُبنَ يوماً. مدعاة ذلك إقناع الشرع – المشروع بأن المبارزة مع “حزب الله” ومن خلفه إيران عند كتف سوريا الغربي لا تصحّ إلا بوجود حليف سياسي قوي عند الخاصرة الرخوة.

يصبح مفهوماً إذاً أن الشرع، بنسخته المتطوّرة، يطرح نفسه راعياً للمعارضة في لبنان، أو عملياً راعياً أو حليفاً قوياً للقوى المناهضة للحزب ولإيران، التي تحتاج لعمق مؤثر تماماً كالعمق الذي تمتع به الحزب يوماً. ليس سراً، ربما، أن هذا البعد ينطلق منه الشرع بتكليف إقليمي محتمل، إضافة إلى التماهي مع واقع الجغرافيا والتاريخ، ولا يجوز بأي حال تجاهل الوظيفة العملانية الحالية الموكلة إلى دمشق والشرع ضمناً بالعمل على تقليص نفوذ إيران والحزب عند الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط!

إذاً يتحوّل كلام الشرع إلى مركز استقطاب مسيحي، وباب لكثير من المسيحيين الذين باتوا ينظرون إليه بقدر كبير من الود. في المعلومات، يُدشّن النائب فارس سعيد خط الانتقال إلى دمشق مسيحياً، حاصراً حضوره بمشاركة في قداس ديني. هي خطوة أريد لها أن تمنح صبغة تطمينية للمسيحيين في سوريا من أنهم “تحت حماية” النظام الجديد، وأنهم محيّدون عن التجاوزات الطائفية الحاصلة في أماكن أخرى. ولا بد أن “نظام الجولاني” قدّم صورة ذكية حين قرّر إعادة بناء شجرة الميلاد التي أُحرِقت قرب مدينة حماة. من جهة أخرى، ستخلو زيارة سعيد من أي لقاء سياسي مع القيادة الجديدة، وهذا الأمر متروك للقيادات السياسية المسيحية التي عليها واجب الشروع في بناء علاقات مسيحية – سورية وفق وزن واضح، وليس بعيداً عن الكنيسة المارونية التي بدأت اتصالاتها في هذا الشأن. ومن المرتقب أن تُستَتبع زيارة سعيد بزيارات مسيحية أخرى إلى دمشق، ليس حزب الكتائب بعيداً عنها.

الأساس يبقى في حضور “القوات اللبنانية”. عملياً، وعندما تقصّد الشرع إرسال رسالة بشير الجميل، وضع في باله التقرّب من المسيحيين سياسياً وعلى رأسهم القواتيين. ويبدو أن الشرع مطّلع بدقة على الخارطة السياسية للمسيحيين في لبنان، وينطلق منها في رسم سياساته المستقبلية معهم، ويوحي أداؤه بأنه تلقى نصيحة بالتقرّب من هذا المكوّن واتخاذه حليفاً مركزياً في لبنان.

لا شك أن بين “القوات” والقيادة السورية الجديدة الكثير من النقاط المشتركة التي تدفع إلى “تحالف الضرورة”، درّة تاجه تقويض نفوذ الحزب.

على المستوى الشخصي، ثمة قواسم مشتركة تجمع بين سمير جعجع كقائد “القوات” وأحمد الشرع كقائد لـ”هيئة تحرير الشام”. سمير جعجع والشرع يمتلكان في الأساس هوية عسكرية (ميولها طائفية) ساعدت في عبورهما الدموي نحو عالم السياسة، ليتحوّل كليهما إلى مشروع زعيم سياسي في دولة. نجح الشرع في تبوّؤ أعلى منصب في سوريا، فيما جعجع ما زال يحاول. الرجلان يجمعهما الحقد – وربما أكثر – على الحزب ومن خلفه إيران، وأيضاً المشروع السياسي الكبير في الشرق الأوسط، وتجمعهما الأهداف ولا يبدو أن لديهما “حساسية مفرطة” تجاه إسرائيل.

تدشين النائب السابق وليد جنبلاط خطّ برّ الشام سياسياً يساعد في كسر الحواجز، ويبقى أن تثمر الاتصالات المسيحية – السورية في حمل سمير جعجع إلى الشام على رأس وفد ومشروع تعاون. حتى هذه الساعة، يوحي القواتيون برغبة في إنشاء علاقة مع القيادة السورية الجديدة وفق أسس يقولون إنها “سيادية”، ويبدون استعدادهم لزيارة الشام للمرة الأولى بعد زيارة قام بها جعجع لتقديم واجب التعزية بباسل الأسد. في الموازاة، ينتظرون وضوح صورة القيادة فضلاً عن بلورة التوقيت السياسي.

حالياً، مركز ثقل سمير جعجع يقوم بمهمة تأمين حظوظه مرشحاً جدياً لرئاسة الجمهورية. يستمهل المعارضة ويناقشها في محاولة لتبنّي اسمه، وفي اليوم الذي يخرج فيه جعجع معلناً ترشيح نفسه، يكون فعلاً قد أنهى جدولة اتفاقه مع المعارضة ووضع قدماً في بعبدا. من الآن وحتى اكتمال هذه الصورة، لا يُنصح بزيارته إلى دمشق منعاً لأي تفسير أو تأويل، ولكي لا يُقال إن ترشيحه مرّ عن طريق سوريا أو زكّاه الجولاني! المرجح، وكما يُفهم من قواتيين، أن جعجع سيختار توقيت الزيارة بعد اكتمال المشهدية السورية واستطراداً اللبنانية، ومع اكتمال عناصر كثيرة من بينها الاتصالات. لن يكون عدم نجاحه في تأمين ظروف ترشحه عائقاً أمام زيارة الشام. الزيارة حاصلة.

في أي حال من الأحوال، تحوّل جعجع إلى صانع رؤساء، مثله مثل آخرين أولهم غريمه النائب جبران باسيل، وقد يدخل دمشق صانع رؤساء بنكهة رئيس مع وقف التنفيذ!

عبدالله قمح

Exit mobile version