يبدأ الرئيس جوزف عون عهده بقسمٍ واعدٍ، متعهّداً بتحقيق عناوين سيادية جريئة تحمل في طياتها وعودا كبيرة، أبرزها “احتكار الدولة للسلاح” والسعي نحو استقلالية القضاء، إلى معالجة الملفات العالقة مع سوريا، واللامركزية الموسّعة، وغيرها من القضايا التي تمثّل تحديات مفصلية في إعادة بناء الدولة.
مواقف الرئيس المنتخب في مجلس النواب تركت صدى قويا، فتعالى التصفيق مرارا من غالبية الحاضرين، في إشارة واضحة إلى التفاعل مع رؤيته الطموحة. ولكن وسط التصفيق، برزت ردود أفعال خجولة من كتلة “الوفاء للمقاومة” ومن تبقّى من تكتل “ لبنان القوي”، عكست دلالات لا تخفى عن شعور تلك القوى بخسارة عميقة، وإن حاولت المشاركة في التصفيق “بخجل” لتجنّب الإحراج.
شهد الاستحقاق الرئاسي غيابا لافتا للنفوذ الإيراني، وهو إشارة واضحة إلى تراجع محور “الممانعة” بفعل التحولات الإقليمية الكبرى. خسارة “حزب الله”، بهذا المعنى، لا تقتصر على البعد المحلي، بل تمتد إلى أبعاد إستراتيجية، خصوصا في ظل الالتقاء الأميركي-السعودي الذي أنتج دعما صريحا لوصول العماد عون إلى قصر بعبدا.
هذه التغيّرات التي نبّه إليها كثيرون، أصبحت واقعا ملموسا مع عودة الحضور السعودي بقوّة إلى الساحة اللبنانية، في مشهد يعكس تحوّلات جديدة في موازين القوى.
الخاسر الآخر الذي لا يمكن تجاهله هو النائب جبران باسيل، الذي بذل أقصى جهوده لإعاقة وصول العماد عون إلى بعبدا، منذ معركة التمديد له في قيادة الجيش، والتي قادتها المعارضة وعلى رأسها “القوات اللبنانية”. فنجاح التمديد أبقى العماد عون في المشهد السياسي والعسكري، وهو ما عزّز حضوره في السباق الرئاسي. خسارة باسيل في هذا السياق، تتعدّى الخسارة السياسية لتدخل إلى عمق “التيار الوطني الحر”، أي إلى قواعده الشعبيّة، حيث يمثّل الرئيس الجديد منافسا جديا داخل القواعد التقليدية للتيّار. وهذا مأزق “تمثيلي” يمسّ بدوره القيادي، في لحظة سياسية صعبة.
بعيدا من حسابات الربح والخسارة، لا يمكن تجاهل المعطيات التي أفرزتها هذه المرحلة، وما تحمله من إشارات سياسية عميقة محليا وإقليميا. التحدّي الآن يكمن في قدرة الرئيس الجديد على تحقيق وعوده وترجمتها إلى واقع ملموس. ومع ذلك، يبقى الأمل معقودا على أن يشكّل هذا العهد بداية جديدة ومثمرة للبنان، تعيد إلى المؤسسات الشرعيّة رونقها من باب استعادة السيادة المفقودة.