لينا اسماعيل – “النهار”
اختار نحو 30 ألف لاجئ سوري العودة إلى ديارهم في جبال القلمون، مغادرين من بلدة عرسال اللبنانية، عبر معبري الزمراني ومرطبيا في جرود البلدة، بعد انقضاء أكثر من شهر على سقوط نظام الأسد، ورغم أن هذا الرقم يعتبر صغيراً مقارنةً بالأعداد الكبيرة المتواجدة في عرسال، إذ تشير التقديرات الأخيرة إلى أن عدد هؤلاء اللاجئين كان يتراوح بين 120,000 و150,000 من منطقتي القلمون والقصير السوريتين، بالإضافة إلى أعدادهم في محافظة بعلبك الهرمل، التي تقدر بنحو مليون و249 ألف و200 نازح. وقد أفاد مصدر أمني لـ”النهار” أن نسبة من غادروا لبنان إلى بلادهم لا تتجاوز 25 في المئة.
وأولئك الذين غادروا عرسال يمثلون 75% من الذين كانوا هناك نتيجة قرب قراهم من الحدود اللبنانية – السورية، بينما لا يزال أهالي القصير في المخيمات في عرسال، وقد غادر منهم عددٌ لا يُذكر.
لقد شهدت بعلبك وعرسال على مدار السنوات الماضية تحديات جسيمة نتيجة التدفق الهائل للاجئين السوريين، حيث شهدت الموارد المحلية ضغطاً هائلاً، ما أثر على الخدمات الصحية والتعليمية بشكل ملحوظ. كما تأثرت الأوضاع الأمنية في المنطقة أحياناً جراء الأنشطة الأمنية المخلة لهؤلاء والتي تؤثر سلباً، واليوم يصر اللاجئون السوريون على البقاء في الأراضي اللبنانية، إذ أصبحت العودة الطوعية إلى سوريا خياراً غير وارد بالنسبة للكثيرين منهم، ويسعون جاهدين لاستمرار حياتهم في بلد مضيف يواجه هو الآخر أزمات متعددة، بينما تتلاشى المساعدة الإنسانية الدولية المتاحة لهؤلاء اللاجئين، ما يزيد من وطأة معاناتهم، لاسيما بعد توقف الدعم لأكثر من 30 ألف عائلة لاجئة في عرسال، كما أفادوا لـ”النهار”.
يرسم رؤساء بلديات بعلبك – الهرمل ورؤساء اتحاداتها صورة متشائمة وقاتمة عن مستقبل مجالس بلدياتهم وسكانها في ظل استمرار تواجد النزوح السوري فيها، فيما يتأملون خيراً من زيارة الرئيس نجيب ميقاتي إلى سوريا اليوم وإيجاد حل يضمن عودة هؤلاء اللاجئين إلى ديارهم
ولكنهم يتساءلون بقلق: “أين هي تلك المنظمات الدولية المانحة التي كانت طوال سنوات لا تشجع النازحين عند تقديم المساعدات إليهم على العودة الطوعية إلى بلدهم، خصوصاً مع انطلاق تلك الحملات التي كان ينظمها الأمن العام حيث كان ممثلون لهذه الجمعيات يدخلون مخيمات عرسال ليلاً، لثنيهم عن العودة وتالياً لتعود غالبيتهم عن قرار العودة، رغم تسجيلها رغبتهم لدى الأمن العام، مستندين إلى وجود نظام بشار الأسد، لكن الأسد ونظامه قد رحل، فأين هي اليوم في حل هذه الأزمة التي تطلب تعاوناً دولياً وإجراءات سياسية شاملة تساعد لبنان في تخفيف العبء الذي يتحمله بسبب هذه الأزمة الإنسانية؟
تظل مديرية المخابرات ووحدات الجيش والأمن العام في حالة تأهب مستمر، حيث تسهم بفاعلية في تسهيل عودة اللاجئين إلى أرضهم.
في الجهة المقابلة، تتزايد الأعباء التي يواجهها اللاجئون السوريون الشيعة والعلويون ، الذين تدفقوا بعد سقوط النظام، حيث بلغ عددهم أكثر من 90 ألف لاجئ . إن البلديات في منطقة البقاع تعاني في صمت من هذا العبء المتزايد، بينما لا تقدم المنظمات الدولية والمحلية سوى الفتات لهؤلاء. علماً أن “حزب الله” هو من يتولى إدارة هذا الملف، في المقابل، يبرز دور مكتب المرجع الديني الشيعي العراقي السيد السيستاني في لبنان، في تقديم الدعم اللازم لهؤلاء اللاجئين.
وفيما تتحدث الجهات المعنية عن حجم الضغوط والأعباء الملقاة على كاهل المؤسسات الأمنية وفي مقدمها مديرية الأمن العام، من خلال متابعة هذا العدد الكبير من النازحين وتعاملاتهم الإدارية،
تثار تساؤلات كثيرة حول الأسباب التي تدفع لاستمرار إغلاق معبر القاع-جوسيه الحدودي الشرعي، الذي يربط لبنان وسوريا في منطقة مشاريع القاع الحدودية. هذا المعبر الذي تم إغلاقه بعد أن تعرضت المنطقة لخمس هجمات بالطائرات الحربية الإسرائيلية خلال الحرب الأخيرة، استهدفت المناطق القريبة من مكاتب الأمن والجوازات في الأراضي السورية، على بُعد نحو مئة متر فقط من مركز الأمن العام اللبناني، ما أدى إلى إغلاقه بشكل كامل.
وفي هذا السياق، أشار مصدر أمني لـ “النهار” إلى أن هناك دوماً وعوداً من “هيئة تحرير الشام” للأمن العام بفتح المعبر في أي لحظة، ولكن هذه الوعود تظل مجرد كلام، حيث يبدو أن الإغلاق يعود لأسباب مذهبية، تتمثل في عدم رغبة بعض السوريين في دخول أهالي المنطقة ذات الطائفة الشيعية، والتي تمثل جزءاً من “حزب الله”.