مَن سيوجّه “الطلقة الأولى”؟
بقلم عبدالله قمح – lebanon debate
إنقضى النهار ولم يكن رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري قد حجز موعداً على قائمة قصر بعبدا، وعلى الأرجح سيطول الإنتظار طالما أن المساعي ما زالت تحوم في منطقة تتناسلها السلبيات. في هذا الوقت، عادت حالات الإستعصاء الحكومي لتبرز من جديد كنتيجة طبيعية لعودة السقوف السياسية إلى الإرتفاع. يحدث ذلك فيما المهلة التي حدّدتها عين التينة لإنجاز التفاهم حول التأليف تتآكل وتُستنزف.
بنتيجته، عادت لغة التصعيد لتستحوذ على المشهد من جديد، وما قيل عن وضع الرئيس المكلّف لمسألة الإعتذار جانباً نزولاً عند رغبة “نادي الرؤساء الأربعة”، لا يعدو أكثر من ذرّ للرماد في العيون. فما زال إلى حينه يناور مستخدماً هذه العصا ومحتفظاً لنفسه بالتوقيت المناسب لإشهارها، وهو ما ألمحت إليه تطورات الساعات الماضية. في المقابل، يتعامل خصوم الحريري من قماشة “العونيين”، بكثيرٍ من الحذر تجاه خطوات المكلّف، وهم لغايته لم يقتنعوا بعد بأي تغيير قد دخل على “كيمياء” الحريري. ثم أنهم ما غادروا منطقة الجهوزية لقلب الطاولة على الجميع من دون استثناء، ومن خلفيات دفاعية بحتة وعلى نية إعادة إنتاج اللعبة السياسة. وعليه، بات الحديث الآن يتمحور حول من سيبادر إلى توجيه “الطلقة الأولى”
لغايته، لم يضع المعنيون بأمر التكليف يدهم على مكمن الوجع رغم علمهم بكامل تفاصيله. ببساطة، “عقدة التأليف” تتموضع أساساً في انهيار الثقة بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري وبينهما النائب جبران باسيل، ولا حلّ حكومي إلا باستعادة تلك الثقة.
صحيح أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي يعمل على “إعادة دوزنة” العلاقة بين الطرفين، وأول خطوة هي في تنحية “الشخصانية”. وفي المعلومات، أنه استنهضَ خلال الساعات الماضية آليةً طرحت تفعيل “هدنة إعلامية” طيلة سريان مدة وساطته تتضمن الإلتزام بوقف القصف المتبادل، حزبياً وشخصياً. وعلى أهمية ذلك، فإن كل المحاولات الجارية لم تمسّ جوهر القضية، أي العمل على استعادة الثقة، وكأن ثمة نية في تمرير الوقت ريثما يتم تقطيع معمودية الإنتخابات النيابية، وكأن ثمة أطرافاً في الداخل تريد الإستثمار في حالات الخصومة المنتشرة كالفطر عند قارعة السياسة، لتحصل على ما أمكن من فوائد إنتخابية، وهذا ينمّي الإنطباع بأن أي حلّ جدي، لن يكون مدار البحث حتى انقضاء الإستحقاق، وحتى ذلك الحين، ثمة حاجة لاعتماد المهدئات السياسية و “الترقيع” على شكل ترفيع مساعي الوسطاء وتنزيل اللقاءات المباشرة.
وللحقيقة، إن الإنتخابات النيابية التي يبدو أننا دخلنا في مدارها قبل 10 أشهر من موعدها المفترض،
يُراد أن تستخدم في انتشال بعض الأطراف السياسية من القعر.
فسعد الحريري غير مستعد للمجازفة في الرصيد المفترض أنه حقّقه من وراء مقارعة العهد،
وتحتلّ ذهنه احتمالات “تقريش” كل ذلك وفق سعر صرف سياسي يُعيده بقوة ذاتية إلى السراي الحكومي بعد “تشذيب”
“التيار الوطني الحر”. وجبران باسيل يعتبر أن ما “أنجزه” من ملفات مؤخراً،
ومنها احتدام المواجهة القضائية والمحاولات التي لم تهدأ لتقطيع التدقيق الجنائي،
و”الركّ” على حقوق المسيحيين من خلفية مواجهة الحريري و “السنّة الأربعة”،
يستحق أن “يقرّش” في صناديق الإقتراع، وأن ما قد يحقّقه اليوم في حال فتحت الصناديق قد يعجز عن تحقيقه غداً.
وبناء عليه، عقد قران المصلحة المشتركة بين الجميع، بالتكافل والتضامن بينهم،
ولو بغير تنسيق أو إبرام إتفاقات أو تفاهمات مباشرة.
فما يجري على المسرح السياسي يدرّ إفادةً على مختلف القوى، وثمة من يرفّع “البدلاء” (وفق المفردات الفرنسية)
إلى قائمة أول الخاسرين، نتيجة شدّ عصب مختلف القوى وتراجع قيمة وحضور هؤلاء، أللهم إلاّ في الغرف المغلقة.
عملياً، يبدو أن البحث عن بديل للرئيس الحريري بات مطروحاً كخيار لتأليف حكومة مهمتها التحضير للإنتخابات حصراً،
وهذا ينطلق من إشهار الحريري نيّته في الإعتذار فيما لو لم يتمكن الرئيس نبيه برّي من تحصيل ما يبتغيه من وساطته.
في المقابل، يطمح “التيّار الوطني الحرّ” لدفع الحريري نحو الإستقالة في حال لم يبادر إليها،
وذلك من خلال إعادة تفعيل الإستقالة من مجلس النواب.
وفي اعتقاد العونيين أن ذلك سيؤدي إلى تدحرج كرة الإستقالات وصولاً لإفقاد المجلس النيابي نصابه.
في آخر تحديث حول المشهد السياسي “البرتقالي”، يتبيّن أن “التيار الوطني”،
يجد نفسه مستفيداً فيما لو تألّفت حكومة إنتخابات الآن، ومن خارج وجود الحريري.
فعملياً يكون من وراء ذلك قد أمّن تمرير ما بقي من العهد بسلاسة،
طامحاً إلى التعويض الذي من المفترض أن “يُقرّش” كمكاسب في الصندوق، لكن،
وفيما لو لم يحدث ذلك وقرّر المضي في خطوة الإستقالة المتدحرجة، فيجد أن توسيع هامش الفراغ النيابي،
وصولاً للإنتخابات النيابية، ولو بظلّ حكومة تصريف أعمال، سيجرّ عليه الفوائد، وسيؤمن له “مهلة مفتوحة
ومريحة لإجراء الحملات الإنتخابية. وما يعد من بوادر التسهيل إلتماس بدء أفول “محنة كورونا” ورفع الكمّامات عن الوجوه!
ويعتقد “التيار الوطني”، أن قلب الطاولة من خلال دحرجة الإستقالات البرلمانية، يؤدي إلى كسر سعد الحريري سياسياً ،
وإفقاده لورقة القوة التي يبتزّ بها العهد و”التيار”، ويحاول عبرها تقوية حضوره شعبياً وسياسياً،
وسيُضاف إلى ذلك كله مراكمة خسائر إضافية على المستوى السنّي،
في ظل تناسل المنافسين واتساع رقعة الخصوم وحضورهم من حوله.
وفي المقام السياسي، يحتلّ عقل “التيار” أنه بالإعتماد على هذه الآلية،
سيكون قد خفّف من الخسائر السياسية المتوقعة في حال استمرار “الستاتيكو” القائم حالياً.