الأزمة الاقتصادية في لبنان..وكيف وصلنا الى هنا؟
المصدر: خاص موقع بيروت الحرة
اجتمعت مجموعة مستقلة من الخبراء الاقتصاديين والماليين ومتخصصين في مجال التنمية في بيروت في أواخر كانون الأول/ديسمبر لمناقشة الأزمة الاقتصادية الراهنة في البلاد، فضلاً عن خطة عمل مؤلّفة من عشر نقاط تهدف إلى اعادة الاستقرار الاقتصادي، وإلى وضع البلاد على مسار التعافي المُستدام.
مع مرور الوقت، أدّت الزيادة الكبيرة في الدين، بصورة محتومة، إلى ارتفاع متزايد في مجال خدمته كما جعلت الاحتياجات التمويلية السنوية الضخمة في البلاد عرضة إلى التأثُّر بالصدمات الخارجية والإقليمية. ومع تباطؤ التدفقات المالية الخارجية إلى لبنان، اضطُرّ مصرف لبنان إلى بذل جهود يائسة وباهظة التكلفة للغاية من أجل استقطابها. وفي نهاية المطاف، ثبُت أنها هذه السياسة المالية غير مستدامة، فمنذ تشرين الأول/أكتوبر، شهدنا توقفاً فعلياً لتدفق الرساميل إلى الداخل وتسارعاً حاداً في التدفقات إلى الخارج.
يتجه لبنان نحو تحقيق رقم قياسي جديد فيما يتعلق بالتضخم، حيث يقف على بعد أسابيع من تضخم مفرط رسمي، وفي حال حدوث هذا الأمر، سيكون أول تضخم مفرط يحدث على الإطلاق في الشرق الأوسط، والمرة الـ61 في التاريخ، وبسبب سنوات من سوء الإدارة، يشهد لبنان أسوأ انهيار اقتصادي منذ عقود، يتزامن مع شحّ الدولار وتوقف
المصارف عن تزويد المودعين بأموالهم بالدولار، وجاءت جائحة كورونا لتزيد الأوضاع سوءا. وتسبّبت الأزمة
الاقتصادية في لبنان بارتفاع معدل التضخم ودفعت قرابة نصف السكان تحت خط الفقر.
كيف وصلنا الى هنا؟
باشر لبنان بعد انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990) الاقتراض لتمويل إعادة الاعمار. وأعاد بناء اقتصاد اعتمد بالدرجة الأولى على الخدمات والسياحة وجذب الاستثمارات الخارجية، وهي قطاعات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالوضعين السياسي والأمني وتقلباتهما، محلياً واقليمياً. في المقابل، لم تحصل إصلاحات بنيوية في الإدارة والمرافق العامة بسبب البيروقراطية والمحسوبيات ونظام المحاصصة الطائفية الذي تكرّس بعد الحرب.
تراكم الدين تدريجياً وبالتالي خدمة الدين المترتبة عليه جراء الفوائد المرتفعة، تزامناً مع انتفاخ فاتورة الإنفاق
الحكومي. ورصدت الحكومات على مرّ السنوات اعتمادات مالية لإصلاح قطاع الكهرباء تعادل نحو نصف الدين
الخارجي، وفق تقديرات البنك الدولي. ويشكّل هذا القطاع أبرز مكامن الهدر، وحتى اليوم ما زال اللبنانيون يدفعون
فاتورتي كهرباء، واحدة للدولة وثانية لأصحاب المولدات التي يستخدمونها لدى انقطاع التيارحيث، ازداد العجز في
ميزان المدفوعات على مرّ سنوات من النمو المتباطئ وقطاع مصرفي متضخّم يمنح فوائد خيالية على الودائع ،
وتجاوز الدين العام أكثر من 170 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي.
اللبنانيون يدفعون كلفة الانهيار
في كل انهيار اقتصادي أو أزمة ماليّة، ثمّة خسائر تنتج عن عقود من التراكمات التي تنفجر في لحظة ما، وفي تلك اللحظة يُعاد توزيع الخسائر على الفئات الاجتماعيّة بحسب السياسات الرسميّة التي تُتبع لمعالجة الأزمة. في الحالة اللبنانيّة، دفع عموم اللبنانيين من محدودي الدخل كلفة هذا الانهيار، على شكل انهيار قاس في قدرتهم الشرائيّة وسعر صرف عملتهم المحليّة. وهي مسألة كان أحد أسبابها توسّع المصرف المركزي طوال فترة الأزمة في خلق النقد، لتسليف الدولة وتمكينها من سداد سنداتها بالليرة للمصارف، ولتمكين المصارف من دفع جزء من قيمة الودائع
المدولرة بالليرة وما يحصل اليوم لم يكن قدراً أو مصادفة، بل كان نتاج معالجات محددة الأهداف ومعروفة النتائج.
تترتب عن المسار الحالي نتائج كارثية،فالتأخير سيؤدّي حكماً إلى تعاظم التفكك، وزيادة حجم التكيّف الضروري
أضعافاً مضاعفة، وإلقاء العبء على كاهل الأشخاص الأقل قدرة على تحمّله. ثمة خيارٌ أفضل. لن يكون الأمر سهلاً،
وقد يكون موجِعاً في بعض الأحيان، ولا شك في أنه سيتطلب عقداً اجتماعياً جديداً. لكننا نعتقد أن هذه المقاربة ستمهّد
الطريق لمستقبل أفضل يعمّه الازدهار.