اخبار محلية

الحريري ينقلب من أجل “تيكيت”

ليبانون ديبايت” – عبد الله قمح

عادَ الشارع ليتحرّك مجدّداً على إيقاع دولاب مشتعل. خدعة سلطة الـ١٪؜ القاضية بخفض سعر الصرف ٢٠٠ ليرة الأربعاء، لم تنطلِ على أحد.

الجماعة لا يتّعظون. صباح الخميس انكشفت اللعبة بعدما عادوا إلى اتباع النهج نفسه وكأن شيئاً لم يحدث الثلاثاء. رفعوا السعر إلى ٩٩٥٠ ليرة، الـ٥٠ ليرة الناقصة عن ١٠،٠٠٠ التي سُجلت الثلاثاء لن تحدث فرقاً في السوق،

طالما أن أسعار السلع قد حُدّدت سلفاً عند ارتفاع ١٥ ألف ليرة عن سطح الدولار وانتهى الأمر، إنما يكاد الفرق أن يحدث في الشارع!

ببساطة، السلطة ما زالت مناوبة على اعتماد النهج نفسه واتخاذ الخداع وسيلة للحفاظ على الذات. باختصار،

ما افتُعل نهار الأربعاء بحق الليرة يرتقي إلى مرتبة “الدَجَل”. ظنّت الطبقة أنه وعبر “إبرة بنج” حُقنت في جسد مريض متهالِك يمكنها أن تُخدّره وتخرجه من الشارع. في الحقيقة نجحت لمدة قصيرة،

لكن سرعان ما استفاق الدبّ من غفوته الخميس، ليكتشف أن السلطة تتوسّل وتبرع في خداعه، وأن في الحقيقة لها دور في ما يجري، بعدما ثبت لديه وبالدليل، تأثيراتها على سعر الصرف، فألهبَ الشوارع!

وهكذا، مضى الغاضبون إلى ثورتهم. هذه المرّة ثمّة مفارقة، بدأت التحرّكات من مناطق في الضاحية الجنوبية، وسرعان ما امتدّت شمالاً وجنوباً. بدأ قطع الطرقات بالتناوب.

هل هي مصادفة أم عمل مُنَسّق؟ تزامن ذلك وبيان رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري.

فبينما يمضي الحريري لتسيير شؤونه في الخارج تاركاً الحكومة تأكلها عسلان الفلوات، متجاهلاً أثمان التلاعب بسعر الصرف على الأمن، بعدما بات عملة رائجة في التأثير بملف تأليف الحكومة،

وصلته تعليمة ملموسة من الرياض عن طريق أبو ظبي: “دخول المملكة يحتاج إلى ثمن”،

لذا أوعزَ إلى رعيته في بيت الوسط نقش بيان يرمي فيه إلى تحميل مسؤولية عدم تأليف الحكومة لشركائه المفترضين في التأليف، رداً على معلومات صحافية حقيقية،

أي، الذين وحتى الأمس القريب، كانوا وما زالوا يمدّونه بالدعم والحماية.

ما معنى أن يضمّن سعد الحريري عصارة بيانه هجوماً لاذعاً على “حزب الله”

وهو جالس في الإمارات ينتظر دوره؟ هذا يعني شيئاً من أمرين:

أما أنه يحاول تقديم أوراق اعتماد تساعده في الخليج (وهذا ما اتّضحَ لاحقاً)، أو هو يتنصّل من شراكة حكومية.

في المسألتين ثمّة أمراً واحداً: الحريري إنقلب، وها هو يتوسّل فتح الباب له سعودياً، عبر الإيحاء وهو في الخليج،

أن لا شراكة بينه وبين “حزب الله” في مجال تأليف الحكومة،

بعكس ما هو مُدوّن في المحاضر، المعلوم منها والمجهول، ويبدو أنه قد نجح في ذلك.

في الواقع، هذا النهج ناوب على اعتماده الحريري. حين يكون في الخليج يأتي على ذكر “حزب الله” بالسوء،

وحين يعود إلى بيروت أول أمر يفعله يكون سحب سماعة الهاتف،

والإتصال فوراً بالحاج حسين خليل. لكن هذه المرّة تبدّلت الأحوال.

باع الحريري علاقةً مع الحزب وتنصّل منها مقابل شراء موعد في السعودية.

مع ذلك، لا يمكن تجهيل بيان مكتب الحريري عن جملة متغيّرات قد طرأت على أكثر من صعيد ولسان:

موقف النائب السابق وليد جنبلاط المنفتح على توسيع الحكومة.

موقف أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله، موقف الرئيس ميشال عون و”التيار الوطني الحر”

المتساهل في موضوع “الثلث المعطل”. “لستُ متمسّكاً بحكومة من 18″،

قالها جنبلاط ثم زاد على الشعر بيت: “لم أقلب إلى أي محل، البلاد تنهار وما زلنا عند شكليات سخيفة”.

جنبلاط اتّعظ وقرّر التقدّم إلى الأمام، بينما الحريري قرّر الرجوع إلى الخلف.

حين رأى أن الأمور تنضج، قرّر الوثب من فوق الجميع في محاولة منه لإنكار المتغيرات أو ضربها،

ولم يجد أمامه سوى الهجوم على “حزب الله”.

في الواقع، الحديث عن إيجابيات جاءت من جبهة بعبدا ـ ميرنا الشالوحي،

من قبيل الموافقة على ٥ وزراء + أرمني من حصة الطاشناق على أساس صيغة ١٨ وزيراً،

حقيقي ولو أراد “المكتب” طمسها، وقد أتى ذلك في سبيل “فك شيفرة” الحكومة. القصر،

كان يعلم أن المبادرة لن تعمرّ طويلاً، وأن بيت الوسط سيسارع إلى دحضها وإسقاطها.

من هنا، فإن منفعتها لا تأتي سوى في مقام كشف أدوار الحريري السلبية في مسألة التعطيل.

هذا ما حصل، وكما كان متوقّعاً، بادر بيت الوسط إلى دحض كل ما جرى تناوله وتبادله وتداوله في الأيام الماضية من إيجابيات،

ومضى نحو مقايضة كل الإيجابيات مقابل “تيكيت” يحمله إلى الرياض.

عملياً، الحريري يُعدّ نفسه محشوراً. قبل أيام،

أعلنت وزارة الأوقاف السعودية عن توجّه لبيع أراضٍ وعقارات تمتلكها شركة “سعودي أوجيه” التابعة للحريري بالمزاد،

ما يعني تصفية ما بقي ارئيس تبّار المستقبل من أملاك في المملكة.

طلب الحريري وساطة الإمارات سريعاً للحؤول دون ذلك.

والحريري يعلم أن استرداد حقوقه وعقارات المسلوبة ووقف عرضها في المزاد يحتاج إلى ثمن،

وطالما أنه لا يمتلك المال، لذا، الثمن سيكون في السياسة،

لذا عدّل في جولته الخليجية، وبدل أن تكون الوجهة الكويت،

جعلها أبو ظبي، وهناك كان لا بد من إجراء مفاضلة: خسارة عقاراته وآخر أمل سعودي أو المحافظة على شراكة مع “حزب الله”.

يبدو من حيث المعلومات أنه اختار الأولى،

بدليل طلب إصدار بيان التنصّل من الحزب. الآن، ملف الحكومة بات معلّقاً أكثر من ذي قبل، لا بل ملقىً على كف عِفريت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى