خصمٌ شريف أفضل من حليف فاسد
المصدر: الجمهورية – فادي عبود
كان أجدادنا يحفظون صورة عن الاميركي أساسها صورة المعلم بسبب الارساليات التعليمية التي أتت الى لبنان وأسست مدارس وجامعات عريقة، أهمها الجامعة الاميركية في بيروت التي تأسست في العام 1866 بجهود دانيال بلس ثم بايارد دودج، وهما عملا في خدمة المجتمع ورفع مستوى العلم في لبنان.
كما رسّخت في حينها صورة الولايات المتحدة الاميركية على انها أمل الفقراء لحياة أفضل، فهاجر كثيرون منهم للعمل هناك. كانت صورة الاميركي في حينها صورة طالب الحرية والساعي الى توحيد المجتمعات على أسس حقوق الانسان وتقبّل الآخر
لكنّ الصورة اختلفت بعد ذلك، فنحن الاجيال اللاحقة نشأنا على صورة الولايات المتحدة الاميركية المتخوّفة من الشيوعية والمنخرطة في الدعم العسكري لوقف اي تمدد شيوعي، وكأنها نسيت دورها في نشر العلم وأسس حقوق الانسان وتَقبّل الآخر والقيم الانسانية الرفيعة، ورأيناها تتخبط في نسج علاقاتها الخارجية، واعتبرت انّ كل عدو للشيوعية حتى لو كان فاسدا هو حليف لها ويحقق مصالحها، فتدعمه، مما ادى الى خسارتها عدداً من المواقع. فدعمت مثلاً الرئيس «ديم» في فييتنام و»باتيستا» في كوبا، وكانا فاسدين. وخسرت لأنّ شعوب هذه الدول ثارت ضد حكم الفاسدين وضد الدعم الاميركي لهما مما ادى الى خسارة الاميركيين في نهاية المطاف. هذه أمثلة على الحليف الفاسد. واعتمدت بعدها سياسة انّ كل خصم سياسي هو فاسد حكماً، وكل ما يصدر عنه هو خاطىء.
أتوجّه اليوم برسالة الى اصدقائنا الاميركيين، لقد كانت الادارة الاميركية السابقة تنصحنا بأننا يجب ان نتخلص من الفساد في لبنان، ووجّهتنا نحو انّ الفاسدين هم حصراً خصومها السياسيين، وكأنه خارج دائرة خصومها السياسيين لا يوجد فساد أبداً. ومن الغريب أنها لم تطالب بأي نوع من الشفافية، ولو طالبت في أي وقت، لكانت مطالبتها خجولة وعابرة لم نسمع بها.
نتمنى من الادارة الاميركية الجديدة أن تساعدنا على محاربة الفساد جدياً، وهي الاكثر قدرة على ذلك من أي فئة أخرى، نرجو ان تطالب المسؤولين اللبنانيين ومصرف لبنان المركزي بكشف تقارير شركات التدقيق العالمية «ارنست اند يونغ» و»ديلويت اند توش» (وهي شركات انغلو ـ اميركية تعمل في بلادهم ويثقون بها)، وهي كانت مسؤولة عن تدقيق حسابات المصرف المركزي لـ26 عاماً خَلت وتقاضت أتعاباً كبيرة مقابل ذلك، هذه خطوة أساسية لكشف الفساد ومعرفة ماذا حصل للاموال والمسؤولين الفعليين عن انهيار الاقتصاد اللبناني قبل استقدام شركة جديدة والبدء بالتدقيق الجنائي، وليس هناك من داع للقبول بأي أعذار بأنّ حسابات المصرف المركزي تخضع للسرية المصرفية، فهي مال عام ويجب كشف كل الحسابات والتقارير.
وإذا تبين انّ هذه التقارير لا تكشف الحقائق وهي غير جدية،
فستكون فضيحة أكبر للمسؤولين وللشركات، لأنّ الاموال فُقدت والاقتصاد انهار،
ولكن أظن انّ هذه الشركات جدية ولن تقبل بتقديم تقارير مشبوهة، وفي اصعب الحالات ربما وضعت في تقاريرها تحفظات لأنها لم تطّلع على كل شيء ولم يتم تقديم كافة المعلومات لها.
في هذه الحالة، سيتضح انّ إفقار الدولة ونهبها كان مخططاً ومدروساً وتقع المسؤولية على 111 مواقع عدة في السلطة اللبنانية،
هذه خطوة بسيطة تساعد على معرفة الفاسدين والمسؤولين عن الانهيار الاقتصادي وتبخّر الودائع،
ونتعجب جداً أنها ليست المطلب الأول للجميع؟ فهل أحد لا يريد كشف الحقيقة؟
وهناك وجوه عديدة أخرى للفساد، لن نعددها في هذا السياق،
ونحن نحتاج الى حماية من الفساد في المستقبل لنتمكن من بناء وطن منتج وفاعل
وعدم تكرار المأساة التي حصلت، ولتأمين الحماية نحتاج الى تطبيق الشفافية الكاملة،
هناك قانون «الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة» الذي تقدم به تكتل «لبنان القوي»
الى البرلمان اللبناني، نتمنى دعم هذا القانون الاساسي.
ختاماً، نتوجه الى الإدارة الأميركية الجديدة
انّ مطالبتكم بالشفافية ستثبت للبنانيين انكم حريصون على مستقبل لبنان،
وتذكروا انّ تخليص المجتمع اللبناني من الفساد يقع في مصلحة الجميع
والاهم في مصلحة بلدان المنطقة ومجتمعاتها من دون استثناء،
فالخصم الشريف أفضل من الحليف الفاسد. نحن مقتنعون انّ هدفكم هو السلام في المنطقة،
ونرجو أن تقتنعوا انّ مساندتكم للشرفاء في جميع مجتمعات المنطقة
سيسهّل جداً تحقيق السلام الذي تسعون اليه. والأهم أنكم ستتمكنون من استعادة صورتكم القديمة كداعمين للتنمية والقيم والعلم.