من مع التدقيق الجنائي.. ومن ضدَّه؟
OTV
كل اللبنانيين يعرفون ضمناً الجواب على هذا السؤال، لكنَّ قلَّة مِن بينهم تعلن الأمر.
فالتدقيق الجنائي اليوم هو السقف الأعلى للإصلاح، ومن الناحية العمَلية، لا أحد يرفع هذا المطلب ويؤيدهُ تشريعياً وتنفيذياً، بعدما طرحه منذ التسعينيات، إلا شخصاً واحداً، هو رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ومعه تكتلٌ نيابي وتيارٌ، يجهد الآخرون لتصويرِهِما متساويين مع سائر القوى في الفساد، فيما الوقائع تثبت العكس.
فميشال عون هو وحدَه الدخيل، إذا جاز التعبير، على الطبقة السياسية المتحكمة بالبلاد، ليس فقط منذ الطائف، بل منذ النصف الثاني من الثمانينات، بدليل الأسماء التي تتكرر في المشهد السياسي، وفي مختلف المجالس النيابية والحكومات أربعين سنة.
خلال الحرب، اختلف ميشال عون مع الجميع. قال لهم: فلنحرر الأرض ثم نتفاهم في ما بينَنا، فأجابوه بالمدافع. ولما أبلغهم أن الطائف كما أقروه، ليس مشروع حل، بل مشاريع أزمات في المستقبل، أتى جوابُهم جميعاً، بالتكافل والتضامن مع الخارج، عملية الثالث عشر من تشرين، ثم المنفى، حيث ظل مختلفاً مع الجميع.
هو طالب بالحرية والسيادة والاستقلال، أما هم فطَبَلوا آذانَ اللبنانيين بوحدة المسار والمصير، وبالضروري والشرعي والمؤقت، وأرسوا قواعدْ منظومة سياسية وإدارية واقتصادية ومالية وإعلامية فاشلة وفاسدة، استفادوا منها جميعاً،،، قبل أن ينقلب المشهد رأساً على عقب عام 2005، فينقلبوا هم معه، ولو إلى حين.
عاد ميشال عون من الإبعاد بعد خمس سنوات على الانسحاب الإسرائيلي، وعشرة أيام على الخروج السوري.
وعلى الفور، شهروا سيوفَ الإلغاء في وجهه، تحالفاً رباعياً، وحصاراً سياسي لمن حصد سبعين في المئة من أصوات المسيحيين، ومنعاً له من المشاركة في الحكومة الأولى بعد خروج الوصاية.
أما هو، فظل مختلفاً معهم، غريباً عنهم، لا يشبهُهم في شيء.
هم سعَوا إلى التصادم. أما هو، فخاطر بكل شيء، كي يحفظ كل شيء… بالتفاهم.
هم مددوا للسياسات الاقتصادية والمالية الخاطئة، أما هو فظل ضدَها، منادياً مئات المرات في خطابات ومقابلات مسجلة بالصوت والصورة، بالاقتصاد المنتج لا الريعي، وبالتصحيح المالي، وبإقرار الموازنات، وبقطع الحسابات، وطبعاً بالتدقيق الجنائي.
حاولوا منعه من المشاركة في انتخابات 2005 بإبقائه في الإبعاد، لكنه عاد.
حاولوا أن يهزموه في انتخابات 2009 مصورين إياه تابعاً لنظام قاوم احتلالَه للبنان،
فيما هم كانوا ينبطحون، وموالياً لدولة إقليمية لطالما تسابقوا على زيارته، فهزمَهم، وحافظ على تكتله النيابي المسيحي الأكبر في تاريخ لبنان.
أما رئاسياً، ففعلوا المستحيل حتى لا يُنتخب. وفي النهاية،
صار هو الرئيس. صار رئيساً بقوته الشعبية أولاً، وبدعم حلفائه ثانياً، وبتضارب خصومه السياسيين في ما بينَهم في المصاف الثالث…
منذ انتخابه، كان “بي الكل”، والمقصود بذلك، “بي” جميع المكونات وجميع المواطنين،
لا يميز بين لبناني وآخر، تماماً كما فعل منذ بداية مسيرته العسكرية والسياسية.
أما هم، فكانوا الذئب المتنكر بزي الحمل. وظلوا يعرقلون
محاولات الإصلاح ويعطلون المشاريع، حتى كان السابع عشر من تشرين.
صرخ الشعب يومها صرخة محقة، فتبنّوا هم الصرخة، وأخذوها في الاتجاه الخاطئ.
فجأة، صار هو المذنب، وكل مرتكبي الموبِقات منذ الثمانينات والتسعينات،
هم الابرياء والانقياء، وارباب الاصلاح ودولة القانون…
تلك هي الكذبة.
أما الحقيقة، فهي أنهم يستغلون حاجات الناس اليومية، وهي محقة وصحيحة،
كي يفلتوا من الحساب. والتدقيق الجنائي اليوم هو عنوان الحساب. الحساب العادل،
الذي لا مدخل سواه لبناء دولة حقيقية، كلُهم يرفضونها، إلا هو. واللبنانيون جميعاً يعرفون أنَّ هذه هي الحقيقة.