إنتبهوا: زيت مستعمل على موائدكم
المصدر: ليبانون ديبايت
الفساد في لبنان ينخر حتى العظام وقد وصل الى أمعاء اللبنانيين، غير مبال بصحتهم وحياتهم. كيف لا وقد دمّر انفجار المرفأ، العاصمة بيروت، موقعاً أكثر من 210 ضحايا، ولم يُلتقَ في هذه السلطة من يحرك ساكناً.
في جولة على السوبرماركت والمحلات التي تبيع مواداً غذائية، أصبنا بالهذيان. ماركات وأصناف لم يسبق لنا السماع بها، أجبان ومعلبات مجهولة المصدر، شوكولا وحلويات “مقلدة” طعمها يكاد يشبه العلقم، زيوت نباتية “لا أصل ولا فصل لها” غير صالحة للاستعمال، ناهيك عن المواد الغذائية والمعلبات منتهية الصلاحية، واللحوم والأسماك المبردة التي تباع على أنها طازجة. بالمحصلة، صحة المواطن مهددة، بعدما استفحلت الأزمة الاقتصادية والصحية وخنقت ما تبقى من رئة للمواطنين.
الارتفاع الجنوني لأسعار الزيت النباتي الذي يستخدم عادة للقلي، دفع المواطنين الى البحث عن زيت رخيص السعر، فاجتاحت الأسواق زيوت بأسماء لم تكن معروفة، وتصدرت تلك المعبأة محلياً رفوف عدد كبير من المحلات، كما بتنا نسمع أكثر بكثير من قبل، عن مؤسسات تجارية تعبئ “الزيت الفلت”، بأسماء وماركات وهمية. لكن هل تملك هذه المواد المواصفات الغذائية والطبية التي تدخل ضمن سلامة الغذاء التي اتبعها لبنان لسنوات، ومن يراقب السوق؟
كثيرة هي الأخبار التي سمعناها في الفترة الأخيرة عن سيدات استعملوا الزيت النباتي للمرة الأولى، فتحوّل الى دهون منذ “القلية” الأولى، ما يرجّح فرضية أن يكون هذا المنتوج مستعملاً من قبل، وقد أعيد تكريره وبيعه من جديد.
في هذا السياق، يشرح الباحث في سلامة وتصنيع الغذاء في الجامعة اللبنانية الأميركية الدكتور حسين حسن، أن الزيوت الموجودة في الأسواق هي زيوت نباتية تستخرج من البذور، لكنها في الأساس تكون غير صالحة للقلي إلا إذا خضعت للهدرجة التي تخفف من نسبة الدهون غير المشبعة، وعندما نهدرج الزيوت ندخل اليها ما يُعرف بالـ Trans fat، وهي مادة تسبب تصلب الشرايين وتزيد من احتمال الإصابة بمرض السرطان، لكن لا مفرّ من هذه العملية، لأننا إن لم نهدرج الزيت، لن نتمكن من القلي به. هذه العملية التي يستعملها العالم بأسره، مطبقة في الأوقات الطبيعية، قبل الأزمات ودخول منتجات الى الأسواق لا نعرف ماهيتها.
ويشير، في حديث لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، الى أن عملية القلي بالزيت، تخضع لعدة عوامل، فكلما احتوى المنتج الذي نريد قليه، ماءً، كلما تضرر الزيت، لأن إدخال المياه اليه أثناء القلي، يعني hydrolytic rancidity (زَنخ الزيت)، إضافة الى الحرارة، التي كلما ارتفعت، كلما تدهور حال الزيت.
ولأن بعض الزيوت في الأسواق اليوم ليست بالجودة المطلوبة جراء الأزمة المعيشية والاقتصادية، ينصح حسن بضرورة تصفية الزيت بعد القلي به لإزالة بقايا الطعام التي تسرع في أكسدته، كما حفظه دائماً في العتمة وتغطيته لمنع تعرضه للهواء، مشدداً على ضرورة البحث عن مصدره في عملية الشراء. يضيف، “صحيح ان الزيت أصبح غالي الثمن، وبات شراؤه صعباً، لكن من الضروري الانتباه الى المصدر الذي إن لم يكن معروفاً، علينا التوقع بألا يكون مهدرجاً بالطريقة العلمية”.
يتأسف لأنه يتم خلط أكثر من نوع زيت مع بعضها البعض، كما أن الزيوت المستخدمة في المطاعم والتي لم تعد صالحة، يتم تكريرها وخلطها مع زيوت جيدة، لبيعها على أنها طازجة، بدل استخدامها بصناعة الصابون وزيوت محركات السيارات.
ويؤكد الباحث ذاته أن الزيت الحيواني يُستخدم لمرات متعددة أكثر في القلي من الزيوت النباتية،
لأنه يحتوي على زيوت مشبعة أكثر، تضر بالصحة لكنها مفيدة لناحية ضمان الزيت،
وإضافة الدهون الحيوانية الى الزيت النباتي،
يحسن الـfrying performance لكن المواد الحيوانية التي نستخدمها اصلاً في طعامنا، (السمنة، الزبدة، شحمة اللحمة) تؤذي صحياً لكونها مشبعة،
إلا أن المشكلة تكمن بأنه إذا كان الزيت نباتياً وأضيفت إليه المواد الحيوانية، لا يحق تسميته بالزيت النباتي.
يتابع، “الزيوت النباتية المهدرجة بحد ذاتها، تتسبب بتصلب الشرايين وبارتفاع خطر الإصابة بالسرطان،
وإضافة الدهون الحيوانية، يعني تسريع التأثير السلبي الموجود أصلا في الزيوت النباتية، على صحتنا”.
يشكك حسن بالألية التي اتبعتها الدولة في طرح بعض انواع الزيوت المدعومة في الأسواق،
وما إذا كانت مطابقة للمواصفات لجملة اعتبارات، تبدأ من إقفال المختبرات لفترات طويلة،
وعجز بعضها المعتمد من قبل الجهات الرسمية عن شراء لوازم الفحوص، مروراً بالأزمة السياسية،
مُبدياً أسفه لغياب الثقة بالأداء الرسمي في هذا الملف، فإجراء الفحوص المخبرية تراجع، وآلية الدعم غير واضحة،
إذ نخشى من دعم أصناف يملكها بعض الوكلاء النافذين، والأمور ليست بهذه الشفافية.
ويجزم بأن المواطن لا يمكنه معرفة ما عليه شراؤه، وهو بالتالي لن يتمكن من أخذ العينات لفحصها،
لذلك تقع المسؤولية على المختبرات والجهات الرسمية المعنية،
لأنه من الضروري أن تكون المواد الموضوعة على رفوف المحلات والسوبرماركت خضعت للرقابة،
وهذا ما نشك به. ويرفض الشعور الذي تحاول السلطة تعميمه على المواطنين
بتحميلهم مسؤولية مراقبة منتوجاتهم الغذائية،
موضحاً أن هذا الدور يقع على الجهات الرسمية حصراً، بينما تقع على المواطن مهمة الضغط على أصحاب القرار للقيام بعملهم،
لا الإحساس بعقدة ذنب “ماذا يشتري”.
نائبة رئيس جمعية حماية المستهلك ندى نعمة، تجزم بدورها، أن عملية جودة المواد الغذائية ومواصفاتها،
منوطة بمديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد،
متوقفة عند آلية الاستيراد وما إذا كانت البضاعة الجديدة تدخل الى لبنان ضمن الآليات والمواصفات المطلوبة.
وتتأسف، في حديث لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، لوجود أصناف وماركات “غريبة عجيبة” في الأسواق اللبنانية،
مطالبة بضرورة التشدد بموضوعي الجودة والنوعية، لأن الأمن الغذائي بخطر.
“لا ثقة لنا بآليات المراقبة ولا بطرقها”، تقول نعمة، فالبلد فالت ولا قوانين،
وإذ تؤكد أن معظم الشكاوى التي تتلقاها الجمعية تتعلق بالارتفاع الجنوني للأسعار،
وبسلع منتهية الصلاحية أو تم اللعب بتواريخها، تجزم بألا أمل أو حلول مع هذه السلطة التي لا تتقن الا سياسة الترقيع.