لا “منصّة مركزيّ” الجمعة: “السوق السوداء”سوقيْن
بقلم عماد الشدياق – أساس ميديا
لا منصّة يوم الجمعة”، كما أوردت بعض الجرائد والمواقع والتلفزيونات. بهذه الجملة يمكن اختصار المشهد المصرفيّ، أقلّه في الأسبوعين المقبلين، ويمكن التحلّي بالشجاعة للحدّ من الآمال التي عُلّقت على منصّة مصرف لبنان، بعنوان “صيرفة”، أملاً في خفض سعر صرف الدولار قياساً إلى الليرة اللبنانية. سعر ما زال يراوح بين هامشيْ 12 ألفاً و13 ألف ليرة لبنانية بين شراءٍ ومبيعٍ لدى الصرّافين وعلى تطبيقات الهواتف الذكية.
معلومات خاصة بـ”أساس” كشفت أنّ موعد الجمعة لن يكون مخصّصاً لتفعيل عمل “صيرفة”، بل سيكون “نهاية المهلة” التي منحها المصرف المركزي للمصارف والصرّافين (بموجب البيان الصادر عنه في 22 آذار الفائت) للتسجّل على المنصّة.
كشفت مصادر المصرف المركزي لـ”أساس” أنّ تفعيل العمل بها سيتأجّل، وربّما سيمتدّ التأجيل لنحو أسبوعين إضافيّيْن اعتباراً من اليوم، من أجل “إتمام الإجراءات اللوجستية”، خصوصاً تلك المتعلّقة بتدريب موظفي المصارف والصرّافين على طريقة عمل المنصّة. ورفضت المصادر تحديد “موعد دقيق” لتفعيلها، لكنّها في الوقت نفسه أكّدت أنّ الأسبوع المقبل “ستنطلق في مصرف لبنان ورشة عمل واسعة، ستكون مخصّصة لإنهاء هذه التفاصيل اللوجستية”.
هي المرّة الثانية التي يُؤجّل مصرف لبنان تفعيل عمل هذه المنصّة، إذ يبدو أنّ المصرف لا يعلّق آمالاً جدّية عليها من أجل خفض سعر الصرف، كما قيل، لكنّ جلّ ما يصبو إليه ينحصر في “انتقاء” زبائن هذه المنصّة، من خلال فصل التجّار والمستوردين عن المضاربين والأفراد في “السوق السوداء”، وحصر حصولهم على الدولار ضمن المصارف.
ويُستنتج من كلّ ذلك أنّ سوق الصرّافين لن يُلغى أبداً، بل سيستمرّ من أجل أن يمدّ الشركات غير المخوّلة الحصول على الدولارات من المنصّة، والأفراد العاديّين بالدولارات لزوم السفر والاحتياجات الخاصّة والادّخار.
يراهن مصرف لبنان على هذه المنصّة من أجل “تخفيف الطلب” على الدولار في سوقٍ يراه متفلّتاً من أيّ ضوابط، وقادراً على التلاعب بالمزاج العام لدى المواطنين، وعلى التأثير في القدرة الشرائية للّيرة اللبنانية. لكنّه في المقابل، يتحاشى الإجابة عن أسئلة تخصّ مصدر الدولارات التي سيضخّها للمصارف من أجل التجّار والمستوردين.
وتُضاف إلى هذا كلّه حقيقةٌ، ربّما لم يتنبّه إليها “المركزي”، أو يعلمها وغير قادر على تحاشيها، وهي أنّ مسعاه، إذا نجح، سيزيد إلى أسعار الصرف الموجودة حالياً في السوق، سعراً جديداً، بقسمة سعر “السوق السوداء” الحالي إلى سعرين: سعر داخل المصارف مخصّص للتجار والمستوردين ويُرجّح أن يساوي 10 آلاف ليرة وما دونها، وسعر لدى الصرّافين مخصّص للأفراد يتحكّم به الصرّافون الشرعيّون وغير الشرعيّين وتطبيقات الهواتف الذكية، وسقفه مفتوح… ويضاف هذان السعران إلى السعر الرسمي 1507 ليرات، وإلى سعر المنصّة الحالي الذي تدفع المصارف وفقاً له دولارات المودعين المحتجزة لديها (اللولار)، والذي على الأرجح سيبقى على 3900 ليرة فارضاً سعرين في المنصّة نفسها.
ولا تزال أوساط مصرف لبنان تعتبر أنّ إزالة العائق الرئيسي أمام تفعيل عمل المنصّة وقيامها بالدور المرسوم لها “مرهونة بتشكيل الحكومة”، لأنّ الاستقرار الحكومي، في نظرها، هو الأساس في “وقف هذه اللخبطة” الحاصلة في السوق، ومن دونه “لا يمكن للمركزي التدخّل كما يجب”.
يُذكر أنّ تفعيل هذه المنصة سبق أن أُعلن بعد اجتماع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع مستشار رئاسة الجمهورية شربل قرداحي في 19 آذار الفائت في بعبدا، ورشحت معلومات في حينه عن تعهّد سلامة للرئيس ميشال عون، بالعمل على خفض سعر الصرف إلى 10 آلاف ليرة.
إلا أنّ مصرفيّين واقتصاديّين ما زالوا يرون أنّ هذه الوعود قد تتبخّر سريعاً بعد تفعيل المنصة، بسبب عدم امتلاك “المركزي” الاحتياطات الدولارية اللازمة من أجل التدخّل في السوق، خصوصاً بعد الكتاب الذي وجّهه مصرف لبنان إلى وزير المال قبل نحو أسبوع، ويدعو الحكومة إلى “وضع تصوّر واضح وسريع” لسياسة الدعم بسبب “عدم جدواها والهدر الكبير الناتج عن عدم إمكان ملاحقة المتلاعبين والمهرّبين للموادّ المدعومة”، وبعدما بلغت احتياطاته الخطوط الحمر… فالمركزي يتعذّر عليه ضخّ الدولارات في مكانين يصبّان في خزّانٍ مثقوبٍ واحد.