نزيفٌ اقتصادي كبير…حكومة عاجزة وضربات جديدة موجعة
المصدر: لبنان 24
هل سمعتم أن أحدًا حرّك ساكنًا بعد مذكرة “موديز” الأخيرة إلى لبنان التي تؤكد ما هو مؤكد لجهة تدهور الوضع المالي في البلاد؟ ربما اعتاد اللبنانيون على مثل هذه المذكرات وأصبحت جزءاً من حياتهم بعد فشل المنظومة الحاكمة في اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
فقبل أيام، أعلنت “موديز” أن احتياطات لبنان المتاحة للاستخدام انخفضت إلى مليار دولار بنهاية شباط، مشيرةً إلى أن فقدان لبنان لعلاقات المراسلة المصرفية سيسرّع من تراجعه الاقتصادي.
عمليًّا، إن امتلاك المصرف المركزي مجرّد مليار دولار يحق أن يتصرف بها يعني أن دعمه للمواد الاستهلاكية الأساسية يمكن أن يدوم لـ 6 أشهر فقط بعد شهر شباط في ظل صرفه شهريًّا نحو 500 مليون دولار على الدعم، وبالتالي بعد هذه الفترة سيضطر التجار بكل بساطة إلى شراء الدولار من السوق الموازية ما يؤدي إلى ارتفاعٍ كبيرٍ في أسعار المواد الاستهلاكية، إضافة إلى ارتفاع إضافي في سعر صرف الدولار نتيجة الطلب المتزايد عليه.
بالتأكيد أن الوضع الاقتصادي والمالي يتجه إلى الأسوأ. هذا ما أكده المدير التنفيذي للشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للتنمية زياد عبد الصمد لـ”لبنان 24″. والجديد هو القلق لجهة المخاطر القائمة في شأن علاقات المراسلة مع المركزي ومع المصارف، إذ جاء موقف “موديز” ليربط بين الاحتياطي وديمومة هذه العلاقات، بما يشكل ضغطًا إضافيًّا لوقف الدعم وعدم المس بالاحتياطي الإلزامي تحت أي ظرف من الظروف، فهل هناك مشكلة في الدعم؟ وماذا يعني أن توقَف علاقات المراسلة مع لبنان؟
نزيفٌ حقيقي وحكومة عاجزة
وإذ أشار عبد الصمد إلى أن دعم العائلات اللبنانية ضروري بمقاربة شاملة وليس نسبية “في ظل وصول نسبة العاطلين عن العمل إلى 30% تقريبًا،
بالإضافة إلى أن نسبة الفقراء أصبحت أكثر من 55%”، أكد أن هناك “مشكلة تكمن بأن مصرف لبنان يصرف من أموال المصارف
من دون أن يكون لديه مردود بسبب عدم وجود إنفاق استثماري”،
لافتًا في الوقت نفسه إلى أن هناك مشكلة في الاتجاه الذي يسير به الدعم
“إذ إن السلع الاستهلاكية التي تدعم هي خسارة إن كان بالنسبة لدعم المواد الغذائية التي تهرب إلى الخارج أو الفيول
الذي يذهب إلى كهرباء لبنان لأن لا يوجد تغطية من الإيردات الكافية،
إضافة إلى أن جزءاً من الدولارات التي تضخ بالسوق أيضاً تهرّب إلى الخارج”،
وبالتالي فإن “كل هذه العوامل تؤدي إلى نزيفٍ حقيقي”.
وأكد عبد الصمد أن “الحكومة لا تريد أن تكافح التهريب للخارج والهدر في قطاع الكهرباء،
كما أنها ليست قادرة على تنفيذ أي برنامج إصلاحي من أجل الحصول على الدعم الدولي،
وبالتالي فهي تستنزف ما تبقى لدى مصرف لبنان من احتياطي كما انه لا يوجد بعد “كابيتال كونترول”،
وبالتالي فإن أصحاب النفوذ قادرون على تهريب أموالهم للخارج”
علاقات المراسلة: مفهوها وتأثيرها
وفي ما يتعلّق بالتهديد بوقف علاقات المراسلة مع لبنان، أوضح عبد الصمد أن كل المصارف لديها مصارف مراسلة
تتعامل معها بما فيهم مصرف لبنان. فمفهوم العلاقات المراسلة يعني أن
“المواطنين والتجار الذين لديهم مصالح في الخارج يفتحون اعتماداً في المصرف المراسل.
فإذا كنت تاجراً مثلاً وتريد أن تستورد سلعاً من الخارج تقوم بفتح اعتماد في المصرف المراسل والاتفاق
معه على دفع الأموال المتوجبة بعد فترة معينة (حسب الاتفاق مع المصرف المراسل)
من خلال شركات الشحن المرخص لها نقل الأموال من لبنان إلى الخارج،
وذلك بعد أن تباع البضاعة في السوق، ولكن في حال توقيف علاقات المراسلة فأنت كتاجر يتوجب عليك أن تدفع الأموال “كاش” ومسبقًا،
وهذا ما يعقد حركة الاستيراد والتصدير ويزيد من انهيار الوضع الاقتصادي، خصوصاً في حال توقف دعم المصرف المركزي
للتجار الذين سيصبحون مجبرين على شراء الدولار من السوق الموازية وليس حسب سعر الصرف الرسمي”
ضربة مؤذية جديدة
تزامنًا مع هذا الواقع، تلقى لبنان عقوبة جديدة موجعة مصدرها السعودية بعدما أعلنت الأخيرة منع دخول إرساليات
الخضروات والفواكه اللبنانية إليها أو العبور من خلال أراضيها، نتيجة إحباط الجمارك السعودية محاولة تهريب كمية كبيرة
من حبوب الكبتاغون، بلغت أكثر 5.3 ملايين حبة، مخفية داخل شحنة فاكهة رمان قادمة من لبنان.
وزير الزراعة، عباس مرتضى، لفت ل”رويتز” إلى أن الحظر السعودي “خسارة كبيرة”،
مشيرًا إلى أن “قيمة تلك الصادرات اللبنانية للسعودية تبلغ 24 مليون دولار سنويُّا”،
متخوفاً من أن تخطو باقي الدول الخليجية الخطوة نفسها.
وفي هذا الإطار، أشار عبد الصمد إلى أن “نتيجة الأزمة التي يمر بها لبنان أصبح المواطنون يعتمدون بشكلٍ أكبر على الزراعة
ما خلق فرص عمل بسيطة ومردودًا ماليًّا ولكن قرار السعودية وإمكانية أن يتبعها عدد من الدول الخليجية
بنفس الخطوة يخنق الاقتصاد اللبناني بشكل أكبر بسبب “قلة أخلاق المهربين” بحيث لا يعد هناك عملة صعبة تدخل إلى لبنان“،
خاتمًا أن “ليس هناك أي تدبير جدي لوقف الانهيار”، لنكون في ظل هذا الواقع أحوج ما نكون إلى حكومة قادرة تدخل في ورشة
إصلاح تعالج الخلل البنيوي في الاقتصاد االلبناني والسياسة المالية والاجتماعية.