لودريان: “كلن يعني كلن” ممنوعون من السفر إلى فرنسا
“درج”: عليا ابراهيم – صحافية وكاتبة لبنانية
رفض لودريان الدخول بأي أسماء لكنه في الوقت عينه بدا وكأنه يتبنى شعار “كلن يعني كلن”، عبر تكرار العبارة “المسؤولون عن التعطيل” الذين سيكون عليهم “دفع الثمن”.
لم يعلن جان إيف لو دريان عن أسماء الشخصيات اللبنانية التي سوف تطاولها العقوبات الفرنسية، كما أنه لم يكشف أي تفاصيل جديدة عن طبيعة العقوبات أو المهل الزمنية التي ستعطى للمعنيين بها، قبل فرض قيود إضافية جديدة، قد تشمل دولاً أخرى في الاتحاد الأوروبي. اكتفى بالقول إن منع الدخول إلى الأراضي الفرنسية ليس سوى البداية، وأن هناك خطوات إضافية أكبر، يتم التباحث فيها مع الدول الاتحاد الأوروبي.
“مع الوقت سوف يكتشفون بأنفسهم، ولكن هذه ليست سوى البداية”، قال لودريان صباح الجمعة (7 أيار/ مايو 2021) في لقاء مقتضب مع عدد محدود من الصحافيين، بعيداً من كاميرات التلفزيون.
خلال اللقاء، بدا لودريان وكأنه راغب في إيصال فكرة واحدة تمحورت حولها كل أجوبته التي جاءت متطابقة مع تفاصيل زيارته بالشكل والمضمون: صبر فرنسا قد نفد، الطبقة السياسية فشلت في تحمل مسؤولياتها والبديل الذي قد ترغب باريس في التعامل معه، ربما أصبح متوفراً.
لودريان، الذي تحدث وبإسهاب عن “تعبئة” بلاده من أجل دعم لبنان وشعبه، لم يسع لإخفاء خيبة إدارته من طريقة تعامل الطبقة السياسية اللبنانية مع المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته الثانية إلى بيروت، بعد تفجير الرابع من آب/ أغسطس، والتي تضمنت وعوداً بتشكيل حكومة خلال أسبوعين.
بعد تسعة أشهر من المماطلة وتقاذف المسؤوليات، جاء لودريان إلى بيروت ليعلن رسمياً أن عصا العقوبات التي بدأ الحديث عنها منذ أسابيع صارت حقيقية، وأنها قد تشمل كل من تعتبره باريس معرقلاً لمبادرة الرئيس الفرنسي، الذي كان واجه انتقادات واسعة لما اعتبر في حينه تعويماً للطبقة السياسية الحاكمة بصفتها سلطة منتخبة، وعلى رغم اعتبار اللبنانيين أنها سلطة مسؤولة عن انهيار الدولة اللبنانية، بدءاً من الواقع الاقتصادي وصولاً إلى تفجير المرفأ.
“بعد ثمانية أشهر من التعطيل، الواضح أن هناك حاجة لتجديد الحياة السياسية في لبنان،
الطبقة السياسة لم تقم بمسؤولياتها وإن لم يتصرف ممثلوها فسوف يكون عليهم أن يتحملوا نتائج فشلهم،
وفي الانتظار نحن لن نجلس من دون حركة”.
المطلوب فرنسياً واضح، وهو بحسب ما كرره لودريان يقتصر على ما تعهد به ممثلو الطبقة السياسية كاملة عن التزامهم بتبني
خارطة طريق للحل وتشكيل حكومة مؤلفة من شخصيات مستقلة تكون أهلاً للثقة،
تستطيع الخروج بلبنان من أزمته والتحضير للانتخابات النيابية المقررة العام المقبل.
“هم أتوا إلى هذا المقر في الأول من أيلول/ سبتمبر، وفي واحدة من قاعاته قام كل بمفرده بإعلان التزامه بهذه التعهدات،
هل باستطاعتهم احترام كلمتهم؟”.
رفض لودريان الدخول بأي أسماء لكنه في الوقت عينه بدا وكأنه يتبنى شعار “كلن يعني كلن”،
عبر تكرار العبارة “المسؤولون عن التعطيل” الذين سيكون عليهم “دفع الثمن”.
عدم الإعلان عن الأسماء، يعد بحد ذاته وسيلة للضغط ولإشعار المسؤولين اللبنانيين بأنهم جميعاً معنيون،
وفي حين ترددت معلومات عن أن منع السفر سيشمل جبران باسيل وشخصيات أخرى من “التيار الوطني الحر”،
لم يتم استبعاد إمكان أن تشمل الرئيس المكلف سعد الحريري ومقربين منه،
وذلك لانزعاج باريس من عدم قيامه بالخطوات اللازمة لتسهيل عملية التأليف.
رداً على سؤال عما إذا كان يتوقع تجاوباً أو تغييراً من المسؤولين السياسيين في ضوء العقوبات المرتقبة،
رد لودريان وباقتضاب “هذا الأمر لا يعود إلي”، دافعاً مرة أخرى بالمسؤولية كاملة على عاتق الطبقة السياسية،
التي اعتبر أن عليها الكف عن المراهنة على تسويات في المنطقة، مضيفاً أن الجميع كان عبّر سابقاً عن التزامه ورغبته “بفك”
الملف اللبناني عن الملفات الأخرى في المنطقة.
الدفع الفرنسي إلى تشكيل حكومة حل، والتي تقول مصادر إن أولويتها رسم خريطة للخروج من الأزمة المالية بما في ذلك
تطبيق خطة للنهوض بقطاعات حيوية على رأسها قطاع الكهرباء، يأتي مرة أخرى كإشارة فرنسية إلى إمكان الخروج من الأزمة
وإعادة الاهتمام الأوروبي والدولي بلبنان، مقابل المضي بالإصلاحات وهو الأمر الذي تبدو الدولة اللبنانية غير مستعدة له،
على رغم الضغط المتزايد والذي يهدد بانقطاع كامل للتيار الكهربائي نهاية أيار 2021.
في مقابل عصا العقوبات للقوى السياسية، أو ربما من ضمن المزيد من الضغط عليها،
هناك تشديد على فكرة الدعم الفرنسي للبنانيين الراغبين بالابتعاد من “الصورة المنحطة” للطبقة السياسية في بلادهم.
ما قاله لودريان خلال لقائه مع الصحافيين جاء متماهياً مع مضامين زيارته الشكلية.
أكثر من ساعتين أمضاهما وزير الخارجية الفرنسية مع ممثلين عن القوى المعارضة وممثلين عن المجتمع المدني
مقابل أقل من نصف ساعة أمضاه مع كل من رئيسي الجمهورية ومجلس النواب في زيارتين وصفهما بـ”الضرورة المؤسساتية” التي يصعب تجنبها.
الازدراء من ممثلي الطبقة السياسية الذين لم يذكر أي منهم بالاسم قابله، تكرار للتعبير عن الإعجاب “بحيوية للشعب اللبناني
الراغب باستعادة تقرير مصير بلاده”، مشدداً على التزام باريس “وبشكل لا تراجع عنه” بضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها.
“أنا هنا، لأقول وبحزم إن فرنسا تجدد دعمها الشعب اللبناني، هؤلاء هم من أردت زيارتهم،
أنا هنا لزيارتهم، ولدعمهم والعمل معهم من اجل مستقبل أفضل للبنان”.
كلام لودريان، قد يكون جزءاً من حملة الضغط على السلطة السياسية وحثها على الإسراع بالتوصل إلى حل عبر توجيه رسالة
مفادها أن فرنسا لم تعد بعيدة من إمكان التحاور مع أطراف اخرى. وإذا كانت فرنسا على موقفها من البقاء
على مسافة واحدة من كل اللبنانيين، من دون تغليب أي طرف على آخر، فإن تصريحات لودريان بدت وكأنها خطوة
أكبر باتجاه المجتمع المدني الذي كان ماكرون قد أعلن سابقاً دعم مطالبه.
لقاء الساعتين كان على الأغلب شكلياً لكن على الأقل من حيث الشكل يعطي دفعاً وإن معنوياً لقوى المعارضة الناتجة
عن تظاهرات 17 تشرين الأول/ أكتوبر، والتي أخذ عليها سابقاً ومن قبل الإدارة الفرنسية تحديداً عدم جهوزيتها
للحوار وعدم امتلاكها رؤيا مشتركة يمكن البناء عليها.