لودريان لمرافقه: “ما فهمت شو بدّو”
المصدر: ليبانون ديبايت
زيارة مختلفة بكل المعايير هي. فرنسياً، المفرزة السبّاقة استُبدلت بتغريدة تويترية، والكلام المُسهب أمام الكاميرات بصمت مطبق خلفها. أما لبنانياً، فحدّث ولا حرج، الشعب الذي “عا دعستك يمشي”، اعتاد مع كل موفد دولي يتنقّل بين مقرّ ومقرّ لاستكشاف ما يجري، حسم النتائج قبل وصول الضيف، حتى العقوبات لا داعٍ لنشر لوائح أسماء المشمولين بها، إذ يكفي أن تعلن الخارجية الفرنسية أنها باشرت تطبيقها “وطنيا” كفاتحة خير. وليزيد الطين بلّة، تجاهل سيّد “المقاومة” بعد طول انقطاع الحديث عن لودريان وزيارته وحكومته. إنه زمن كل شي بالقلب.
هكذا، يبدو أنه كما وصل رحل، “مش داري والأجر عا الله”. ففي لقاءاته، كلٌ غنّى على ليلاه، إذ بين كلام الرئيس وبيان الرئاسة، والكلمات القليلة التي نطق بها “بدري” الفرنسي، فرقٌ كبير، كل واحدُ منهم على موجة. أما في عين التينة، فالفرنسية بالأصالة مع خريج “السوربون” الوكيل، وصلت بالفارسية للمعنيين الأصيلين في الحارة، لينطق مساءً بالخليجي “المُفَرنس”، الذي وصلت شظاياه إلى الجاهلية ووزيرها السابق، “المحنتر”، “شيخ سعد ضبّ غراضك وفلّ” ليأتيه الجواب باستعادة لغة الصرامي، في بلد يشهد نهضة في قطاع “الكندرجية”.
وبغض النظر عما سمعه أو قاله في لقاءاته مع أصحاب الحلّ والربط، لا بد من التوقّف عند ثلاث إشارات لافتة في مباحثاته، وقاسمها المشترك “عم بحكيكي يا جارة لتسمعي يا كنة”:
– في بعبدا لقاء بروتوكولي، غنّى فيه جنرال بعبدا على ليلاه، فيما غرق لودريان بصمته وضياعه، غير قادر على استيعاب كمّ المعلومات التي عاجله بها رئيس الجمهورية ميشال عون، ليخرج كما دخل، “مش فاهم وين ألله حاطّه”، غير متأكد من وصول الكلمات القليلة التي نطق بها إلى رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل.
– في عين التينة، سادت معادلة المساواة في الوقت مع بعبدا، وإن كانت الرسالة للرئاسة الثانية ثلاثية الأبعاد، بعدها الأول، يطال الإستيذ وأرانبه الغائبة، والثاني أبو مصطفى مالك مفاتيح بيت الوسط، أما الثالث، فبوصفه شقفة الثنائي الثانية والوسيط مع أصيل التعطيل.
– في قصر الصنوبر بعد الظهر، حيث كان ثمة من مجموعات المعارضة من رفض أن يُلدغ من الجحر الفرنسي مرتين،
فإن قسماً آخراً، معروفٌ هواه الأميركي، حضر إلى قصر الصنوبر جابراً خاطر الأم الحنون،
فيما كان آخرون من غير المحظيين يجهدون خارج أسوار القصر، علّ أوراقهم تصل للوزير الضيف،
الذي انطلق لسانه، وقلّع بالكلام المباح فاطراً درراً، بعد صيام عن الكلام طوال النهار،
مغدقاً الوعود بالمساعدة تربوياً واستشفائياً، محرّضاً الشباب على رصّ الصفوف استعداداً للإنتخابات النيابية،
التي طيّرت تقديم موعدها شهامة معلّمه ومحبته للطبقة الحاكمة،
وفقاً للقانون الحالي. وينتهي “الماتش”، بتحوّل المبادرة الفرنسية من تشكيل حكومة إلى إجراء انتخابات نيابية في موعدها،
من جهة، وقبول باريس بمناقشة ورقة معارضة بسقف سياسي عالي،
لا سيّما في مسألة سلاح “حزب الله”، السيادة، تموضع لبنان الإقليمي والدولي، والأهم، حماية المعارضة من قمع أجهزة السلطة.
-أما أغرب اللقاءات وأفظعها مساءً، مع الرئيس المكلّف سعد الحريري المُستدعى على عجل إلى مقر إقامة معاليه،
بعدما ضاقت السبل بالضيف الفرنسي، المحشور في زاوية ضرورة لقاء شخصية سنّية كي لا تحرد الطائفة،
فوقع الخيار على بيت الوسط. شجّع على ذلك مسار ومصير “غرندايزر”. فقاموس كبير مستشاري السراي اللغوي،
معطوف على خبرة معلمه الفرنسية، أبدعت بيانات من وحي بنات أفكار الإثنين لطالما ورّطت لودريان سابقاً،
أضف إلى ذلك الحمام الذي “غسلو ياه” يوم صدّق “غرندايزر” أنه رئيس حكومة “المقاومة” والممانعة،
وما كان ينقص سوى وجهه الخير على وزير مالية قطر، الذي خرج من لقاء دياب الى السجن “ديركت”.
أمام هول كل ذلك، لم يكن أمام الضيف الفرنسي، إلاّ لقاء الشيخ سعد في قصر الصنوبر،
بوصفه شخصية سنّية أكثر منه يشغل رئيس حكومة مكلّف. للحقيقة مصائب قوم عند قوم فوائد.
في كل الأحوال لِمَ العجب، فلما كان الحكم الفرنسي أما يمينياً مع شيراك أو اشتراكياً مع ميتران،
لم تنجح فرنسا في تغيير الواقع اللبناني، فكيف بها مع رئيس من وسط هجين قادته صدفة لوبان إلى الإيليزيه،
فيما وزراؤه من “الضايعة الطاسة معهم، مش عارفين كوعهم من بوعهم”.
فهل ثمة من ساذج يأمل أن تكون الحلول عن طريق هكذا فريق. هنا، لا حاجة للإستنتاج، فتجربة التسعة أشهر كافية ووافية، “فيف لا فرانس”.
يقول المتل: “بيخدعك مرة بكون الحق عليه بيخدعك مرتين بكون الحق عليك… وساعتها انشالله العصا تعلّم،
مش عا جنب واحد وانشالله عالجنبين… ويلّلي من إيدو الله يزيدو، يضيف الشاطر حسن”.