تخبط وصفقات وتهريب بملايين الدولارات.. ماذا يجري مع الصيادلة؟
المصدر: ليبانون فايلز _ علاء الخوري
بعد أيام على البلبلة التي حصلت في القطاع الصيدلي عقب الاقفال في بعض المناطق من قبل عدد من الصيادلة، خرج نقيبهم غسان الامين محذرا من أزمة ستطال هذا القطاع نتيجة فقدان الادوية وغياب سياسة بديلة من قبل الحكومة لتعويم الصيدليات التي لم يعد لديها ما يكفي من المخزون يساعدها على الاستمرار.
إعتاد الصيادلة على كلام الامين الذي يتحدث بشكل دوري عن مصيبة يشهدها القطاع، من حالات الاقفال الى فقدان الدواء وصولا الى تهريبه. ولكن في ظل هذا النزيف علت الصرخة وثمة بلبلة داخل القطاع بسبب المجموعات التي تشهد تباينا في الرأي، والدليل على ذلك هو اقفال بعض الصيدليات في عطلة عيد الفطر ونهاية الويك أند وتوليف هذه الخطوة بوصفها اضرابا احتجاجا على عدم تسلم العديد من الصيادلة الدواء من الشركات.
هذه الخطوة بدت ارتجالية من قبل بعض الصيادلة في غياب دعوة رسمية من قبل نقيبهم الرافض في الاساس لهذه الفكرة، بل تحدث الامين قبل اسابيع عن “لا قانونية” الاضراب، ما دفع ببعض الصيادلة الى استغراب حديثه لاسيما وأن خطوة القطاع الطبي الاسبوع الماضي جاءت معاكسة لحديثه، حيث أضرب الاطباء وتوقفوا عن العمل في المستشفيات وخرج نقيبهم مشددا على هذه الخطوة من أجل “شرف المهنة”.
يؤكد بعض الصيادلة أن هذا القطاع كان حتى الامس القريب مزرابا كبيرا لتهريب الدولار من لبنان عن طريق بيع كميات كبيرة من الدواء المدعوم الى الخارج، ويشير هؤلاء الى أن تهريب الدواء هو أخطر أنواع التهريب وأكثر ايلاما على خزينة الدعم في مصرف لبنان من أي نوع آخر كالمحروقات والسلع الغذائية.
يعطي هؤلاء مثالاً بسيطاً على ما جرى في مرحلة دعم الدواء، حيث توزعت شبكات متخصصة بالتهريب وأحيانا بالتكافل والتضامن مع الوكلاء الى شراء الادوية التي يصل سعرها الى حوالى الثلاثة ملايين ليرة كدواء السرطان، حيث يجول بعض الاشخاص المكلفين بهذه المهمة على الصيدليات لشراء الدواء المدعوم على سعر ال 1500 ليرة، وعندما تتوفر كميات لابأس بها لتصديرها يعمد التاجر الى توريدها نحو العراق ومصر حيث يبيعها هناك بحوالي الالفي دولار أميركي، ويحصل على كمية من ال” fresh money”، فيتقاضى بذلك على كل علبة دواء ربحاً يفوق العشرة ملايين ليرة لبنانية اذا ما تم صرف الدولار على سعر منصة السوق السوداء.
بعض الوكلاء يعمد الى بيع صيدلية كميات كبيرة مقابل تقطيرها على صيدليات أُخرى، وعند التحقيق يتبين أن هناك صفقة بين الوكيل أو أحد الموظفين مع صاحب الصيدلية لتصدير الدواء المدعوم الى الخارج وتقاسم ربح “الدعم” بين المشاركين في العملية.null
بعملية حسابية بسيطة يمكن للمهرب أن يحصل على الاف الدولارات ومن دون أي ضجيج، فحجم الدواء بعكس السلع الغذائية والمحروقات يساعد المهرب على تصديره الى الخارج وبكميات ومردوده الربحي يفوق مردود السلع الأخرى المصدرة الى الخارج. وبعد استنفاذ الاحتياط وتقطير مصرف لبنان الدعم على الشركات التي تستورد الدواء لتبيعه الى الوكلاء يمارس البعض سياسة الضغط لفتح الاعتمادات كما كانت في السابق ليعود كارتيل التهريب ويمارس نشاطه
في المقابل تذكر نقابة الصيادلة بخطتها التي قدمتها منذ 8 أشهر إلى مجلس الوزارء وتقضي بتوزيع الأدوية على ثلاثة أبواب بحسب أهميتها وأسعارها، وترشيد الدعم على استيرادها، ولكنها بقيت في أدراج مجلس الوزراء من دون الرّد عليها بعد نيلها موافقة اللجنة الصحية النيابية ووزارة الصحة، وبالتالي فان من واجب الدولة أيضا اتباع آلية واضحة لكي تسير النقابة بها، أما ترك الامور على حالها فقد يجر القطاع الى فوضى كما هو حاصل اليوم اذ يفتقد الصيادلة الى انواع كثيرة من الدواء رغم أنهم يطبقون التعليمات الصادرة عن وزارة الصحة والقاضية بضرورة ابراز الوصفة الطبية من قبل المريض لأنواع الادوية المحددة بحسب الوزارة، أما الادوية الاخرى والتي لا تستلزم الوصفة الطبية فيبيع الصيدلي عبوة واحدة منها كالمسكنات وغيرها.
وهنا وفي اطار الافكار المطروحة لترشيد الدعم يمكن للحكومة أن تلجأ الى دعم علامتين تجاريتين فقطّ من كلّ دواء بدل دعمها الأدوية كافّة كما هو حاصل اليوم، كما ان غالبيّة الأدوية المدعومة هي أدوية مستوردة أما البديل عن ذلك فيكمن بدعم علامتين تجاريتين فقطّ، واحدة محلّيّة وأخرى مستوردة.
وفي اطار التغيير بالخطة يمكن للدولة أن تدعم العلامات التجاريّة الأرخص ذات التأثير العلاجيّ الأعلى عوض دعم الادوية الغالية والرخيصة على حدٍّ سواء.
ولكن ثمة مخاوف من الوكلاء الذي يبيعون دواء الجنريك، لاسيما وأن بعضهم لديه مسؤوليات بارزة في القطاع الصحي وقد يلجأ هؤلاء الى تعويم السوق بالدواء البديل، وهذا الامر يتيح لاصحاب هذا النوع الاستفراد في السوق وتعويمه بأدوية قد تكون مخالفة لشروط منظمة الصحة العالمية كالدواء الايراني على سبيل المثال.
ملف الدواء وتوزيعه على الصيدليات ليس بالامر السهل، ويحتاج الى تنسيق كامل بين الوزارات المعنية كالصحة والاقتصاد والمال اضافة الى النقابات المعنية بهذا الملف وبمشاركة المجلس النيابي لتقديم تصور واضح يبدأ من المصدر وصولا الى المستهلك، وما يمر به لبنان اليوم يمكن أن يشكل حافزا للسلطات الصحية المعنية لتغيير القطاع الصحي بشكل جذري.