اخبار محلية

نهر الكلب… باسيل يقع في فخّ جعجع

جوزيفين ديب- اساس ميديا

يقول فيلسوف فنون الحرب الصينيّ “سان تسو” إنّ “أدهى الحروب هي تلك التي تنتصر فيها بسلاح أعدائك”.

لكن هل تنطبق هذه المقولة على السجال السياسي بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، الذي تبع مشهد انقضاض القواتيّين على سيّارات السوريّين المتوجّهين إلى سفارتهم للاقتراع لرئيسهم المقبل؟

لم يكن عابراً مشهد الإشكالات على معبر نهر الكلب. من هناك، من المعبر الذي شهد في زمن الحرب أكثر المواجهات شراسة بين ميشال عون وسمير جعجع، نشهد اليوم اشتباكاً مشابهاً على إمساك الساحة، من المتن إلى المدفون، عبر رسائل سياسية مبطّنة، وصولاً إلى اللعب على المكشوف.

بعد 31 عاماً من تحوّل “معبر نهر الكلب” إلى خط تماس بين الجيش اللبناني والقوات اللبنانية، مُشعِلاً حرباً “أخويّة” بين المسيحيين، عاد “المعبر” نفسه إلى “الدور” نفسه في تأجيج الانقسام المسيحي. ومعه لم تتغيّر طبيعة العلاقة بين التيار والقوات على الرغم من كؤوس الشامبانيا المرفوعة في معراب في 18 كانون الثاني 2016.


 
المفارقة اليوم أنّ سوريا لا تزال محور الانقسام. في عام 1989، حضرت دمشق بين القوات اللبنانية وقائد الجيش حينئذٍ ميشال عون في زمن الحرب، واليوم تحضر أيضاً في زمن السلم لتعيد معها مسلسل محطّات النزاع بين الحزبين على العناوين السياسية في الساحة المسيحية تحديداً.

لم يكن عابراً مشهد الإشكالات على معبر نهر الكلب. من هناك، من المعبر الذي شهد في زمن الحرب أكثر المواجهات شراسة بين ميشال عون وسمير جعجع، نشهد اليوم اشتباكاً مشابهاً على إمساك الساحة، من المتن إلى المدفون، عبر رسائل سياسية مبطّنة، وصولاً إلى اللعب على المكشوف

يوم الخميس الماضي، شاهد اللبنانيون عرضاً سوريّاً لانتخابات رئاسية تجري على أرضهم، تمهيداً لـ”يوم النصر” في سوريا، في 26 من الجاري. وقد رافق هذا العرض “استعراض للقوّة” في عدّة مناطق لبنانية. لكن أبرزها حصل على الطريق الدولية في نهر الكلب عند مدخل منطقة كسروان الجنوبي باتجاه بيروت، حيث تجمّع عددٌ من الشبّان القواتيّين، وضربوا عدداً من السوريين، وحطّموا عدداً من السيارات التي رفعت أعلاماً وصوراً للرئيس بشّار الأسد.

بعيداً من التقويم الإنساني والأخلاقي للمشهد، تبقى للقراءة السياسية لهذا المشهد أهميّة بالغة، ولا سيّما في السياق الزمني على الساحة اللبنانية. فأهميّة ما حصل، كما تصف مصادر مقربة من القوات أنّه “اختطف المشهد من الزحف نحو السفارة إلى ما قامت به المجموعات القواتية في نهر الكلب. والأكثر أهميّة أنّ سمير جعجع، الذي انتظر طويلاً طريدته على تلّة معراب، أحسن اقتناصها، بعد دخولها بملء إرادتها، حقل النار خاصّته، مغدقةً عليه الهدايا السياسية بالمجّان”.


 
في معلومات “أساس” أنّ جعجع وضع لخطّته في نهر الكلب بنك أهداف متكاملاً استُدرِج إليه رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، فساعده على تحقيقه كاملاً، عبر خطابه تياره المدافع عن انتخاب بشار الأسد.

سيّما وأنّ جعجع قد استبق هذا المشهد بتغريدة عن الانتخابات السورية محاكياً الوجدان المسيحي، قائلاً: من أجل الحصول على لوائح كاملة بأسماء من سيقترعون للأسد غدا، والطلب منهم مغادرة لبنان فورا والالتحاق بالمناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد في سوريا طالما انهم سيقترعون لهذا النظام ولا يشكل خطرا عليهم”.

وفي المعلومات أيضاً أنّ “جعجع قد أوفد قبل أيام وزيره السابق ملحم الرياشي إلى حوار سياسي متلفز ليزرع فخّاً لفريق باسيل عبر إعلانه دور القوات الأساسي في قطع الطرقات في يوم الثورة الشهير في 17 تشرين. وسرعان ما استعجلت نائبة باسيل مي خريش الردّ على الرياشي، فبَنَت على كلامه متّهمةً القوات بأنّها وراء قطع الطرقات في اليوم الذي لا يزال حاضراً في وجدان اللبنانيين بكونه اليوم الذي انتفضوا فيه على السلطة السياسية عبر النزول إلى الشارع وقطع الطرقات”.. وتشير المعلومات إلى أنّ “خطة رئيس حزب القوات نجحت في دفع العونيين، بعد كلام خريش، إلى الوقوع في فخّ جعجع، ومساهمتهم في تسويق كلام الرياشي الذي يعزّز دور القوات لدى الرأي العام غير العوني، وهو كبير، ويبيّن حضور القوات وقوّتهم كحاضنة طبيعية للثورة الشعبية في ذلك اليوم”.

بعد كلام الرياشي يوم الأحد، جاء الخميس “السوري” على أرض لبنان لينقضّ جعجع في ضربة قاضية على الأرض، كمَنْ يقول لمَنْ يجب أن يسمع: “شكراً عون، شكراً باسيل… القوات هي العصب والعصا، والأمرُ لي”.

تضيف المصادر: “هكذا أصاب جعجع جمهور 14 آذار في المكان الأشد إيلاماً له وتأثيراً عليه، أي في النظام السوري. فأصاب هدفه في وجدان الجمهور التائه من دون قيادات بعد انهياراتها وانهيار تماسكها من بيت الوسط إلى المختارة وسواها”.

وأصاب جعجع السفارة الفرنسية بشظاياه، من خلال القول أنّه يملك قبضة الشارع، ليقول لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان: “انتبه نحن هنا، ولا تتّكل بعد اليوم على مستشارك النائب غويندال رويّار ليحدّد لك لقاءاتك ونوعيّتها”.

في معلومات “أساس” أنّ جعجع وضع لخطّته في نهر الكلب بنك أهداف متكاملاً استُدرِج إليه رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، فساعده على تحقيقه كاملاً، عبر خطابه تياره المدافع عن انتخاب بشار الأسد

تأتي هذه الرسالة إلى باريس بعد دعوة “رويّار” حزب الكتائب إلى لقائه في قصر الصنوبر مع مجموعات المجتمع المدني، على اعتبار أنّه فريقٌ خارج السلطة.

وأصاب جعجع أيضاً، بحسب المصادر نفسها المتابعة لأحداث يوم الخميس: “مجموعات من الثورة، على رأسها الكتائب وغيرها من المجموعات، الذين لا يخوضون في كواليسهم إلا حرباً على القوات اللبنانية بصفتها المنافس الرئيس لهم، في حين ينسج بعضهم الخطوط مع حزب الله، ويجنح بعضهم الآخر نحو “يسار الكافيار”، الذي لا علاقة له بفكر اليسار ولا بأدائه”.

في المحصّلة، تقوِّم المصادر المواكبة للأحداث الأخيرة المشهدَ، فترى أنّ التيار العوني ساعد جعجع، بدءاً من وقوعه في فخّه عبر الهجوم على الرياشي بعد كلامه الأخير، وصولاً إلى مواقفه ومواقف نوّابه العنيفة لمصلحة الناخبين السوريين على حساب “نازيّة القوات اللبنانية”.


 
إقرأ أيضاً: القوات اللبنانية: الممانعة فشلت في طرابلس.. ردّاً على “نهر الكلب”

لطالما نجح التيار الوطني الحر في إعادة الوجدان المسيحي إلى زمن الحرب المسيحية – المسيحية، بما يصيب قائد القوات في مقتل. لكنّ هذه المرّة قد يكون التيار الوطني الحر أخطأ في الحسابات. لأنّ الوجدان المسيحي لا يزال عالقاً في معاركه ضدّ السوريين. وقد يكون “جعجع نجح في تعويم صورته التي تُظهره الأقوى أمنيّاً على الأرض في الساحة المسيحية عند الحاجة، على الرغم من بشاعة مشاهد الضرب التي نقلتها وسائل التواصل الاجتماعي”.

كما كان معبر نهر الكلب محطّة دائمة بينهما، يبدو أنّه سيصبح أيضاً الحدّ الفاصل بين الخصميْن التقليديّين المسيحيّين، في انتخابات شرسة مقبلة… وحاسمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com