لا كاش ولا بطاقات.. المصارف تخطط لوسيلة دفع جديدة!
المصدر: المدن
لأن مسألة الاعتماد على الكاش لها مفاعيلها السلبية، إن على القطاع المصرفي أو على الاقتصاد عموماً، وفي ظل غياب أي تصوّر للفترة الزمنية التي قد تستغرقها مرحلة اللاثقة بالمصارف، واعتماد الكاش في المدفوعات، يتجه عدد من المصارف إلى اعتماد آلية جديدة للدفع، مختلفة إلى حدّ ما عن الآلية الإلكترونية المصرفية المعتمدة على البطاقات المصرفية، ومنفصلة تماماً عن آلية التعامل بالكاش في الوقت عينه.
فما هي تلك الآلية؟ وما هي تداعيات اعتماد الكاش فيما لو استمر الأمر؟
آلية دفع جديدة
ينشط العديد من المصارف منذ فترة على خط تنظيم آلية دفع جديدة، تجنّب عملائها التعامل بالكاش من دون إرغامهم على العودة إلى استعمال البطاقات المصرفية، والصرافات الآلية ATMs. وتُعرف تلك الآلية تقنياً على أنها معاملة دفع P2P أو التحويل من شخص إلى شخص. وهي تقنية معاملات غير نقدية جديدة أطلقتها شركة IPN في لبنان، تتيح الدفع بين عملاء المصارف عبر الهواتف المحمولة أو عبر الإنترنت.
وتعمد شركة IPN (International Payment Network S.A.L) المملوكة من بنك لبنان والمهجر وبنك عودة وفرنسبنك وCredit Libanais وبنك بيبلوس، والتي تتعهّد الجزء الأكبر من سوق الصرافات الآلية ATMs في لبنان، إلى تنظيم آلية الدفع عبر الهواتف الذكية من حساب إلى حساب، بموجب مفتاح (code) لكل شخص.
العملية تتشابه إلى حد كبير مع عملية التحويل الحالية من حساب مصرفي إلى آخر. لكنها تتميز عنها بسهولة اعتمادها في عمليات الدفع والسداد والتحويل، باستخدام التطبيق الإلكتروني العائد إلى المصرف. وتطلق شركة IPN على الخدمة المقصودة اسم Dfa3leh. وهو ما يمكن أن تعتمده المصارف ما لم يتم تغيير اسم الخدمة وفق اختيار كل مصرف.
ووفق معلومات “المدن”، فإن التحويلات عبر Dfa3leh ستكون حصرية بالليرة اللبنانية. ومن المتوقع أن تضع المصارف سقوفاً محدّدة للتحاويل وعمليات الدفع، تتراوح بين المليون والمليوني ليرة يومياً، كما ستستهدف الخدمة الأفراد فقط من دون المؤسسات، كمرحلة أولى. ومن المفترض أن تتم عمليات الدفع والتحاويل عبر Dfa3leh مجاناً، من دون أي رسوم كتلك التي تطال عمليات السحوبات النقدية حالياً.
ويفيد مصدر مصرفي متابع بأن مصرف لبنان منح المصارف التي ستعتمد الآلية الجديدة (وهي بنك لبنان والمهجر وبنك عودة وفرنسبنك وCredit Libanais وبنك بيبلوس) موافقته، بهدف التخفيف من التداول بالشيكات والكاش، ومحاولة ضبط العمليات، بالتوازي مع إطلاق المنصة الإلكترونية. لكن وعلى الرغم من موافقة مصرف لبنان على الآلية، غير أنه عاد وأوعز إلى المصارف، وفق المصدر، بالتريّث في إطلاقها. وهو ما ارتأته المصارف، ربما لتهيئة الجمهور للتعامل بها وتقبلها، بعد انخفاض ثقته بشكل كبير بالمصارف.
مخاطر التعامل بالكاش
قد يكون الإقدام على التعامل بالكاش إجراءً مؤقتاً ومرحلياً من قبل العملاء المصرفيين وعموم المواطنين، لكن لا يخلو الأمر من تداعيات سلبية قد ترفع مستوى المخاطر النقدية والاقتصادية. فالتعامل بالكاش يشكّل فاصلاً بين الدورة الاقتصادية والعمل المصرفي. وهو ما يُعد عائقاً أمام قيام أي اقتصاد وتطوره.
كثيرة هي تداعيات التعامل بالكاش، تبدأ من تسهيل التهرّب الضريبي خصوصاً من قبل التجار، كما تساهم برفع نسب التضخم بشكل غير مباشر، ولا تنتهي بتغييب مبدأ الشفافية في العمليات المالية وتقويض مساعي مكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال.
التداول بالكاش يغيّب الأرقام، وبالتالي، يعيق قراءة الأسواق. ووفق حديث الباحثة في الشأن الاقتصادي والمالي، والأستاذة الجامعية، ليال منصور لـ”المدن”، يُعيق التداول بالكاش بشكل تام معرفة وضبط عمليات التحاويل وأحجامها وعملاتها. خصوصاً أن التداول لا يتم بعملة واحدة إنما بالليرة والدولار. وهذا الأمر تقنياً يعيق إجراء أي دراسة أو اتخاذ قرار مالي، نقدي أو مصرفي أو حتى القرارات المرتبطة بالمساعدات أو الضرائب أو الجباية أو الرواتب أو الموازنة أو أي مجال آخر. فالكاش يغيّب الأرقام الضرورية والأساسية لأي إجراء اقتصادي.
ولأن مفهوم التداول بالكاش يُعد رديفاً للاقتصاد غير الرسمي أو الاقتصاد الموازي، تحذر منصور من أن استمرار التعامل بالكاش يعزّز مخاطر اتساع الاقتصاد غير الرسمي. وهذا الأمر قد يفتح الباب على حصول عمليات مشبوهة، كتمويل الإرهاب أو تبييض الأموال. لافتة إلى أن ضبط عمليات التداول إلكترونياً، من شأنه أن يوفر الأرقام الحقيقية لحركة الأموال والمداخيل والأرباح وغير ذلك.. بمعنى آخر “من دون داتا وأرقام لا يمكن اتخاذ أي قرار”. بالمقابل، فإن أي قرار قد يُتخذ حالياً قد لا تكون مفاعيله دقيقة، نظراً لغياب الارقام، تقول منصور.
أما الآلية الجديدة التي تتجه المصارف إلى تطبيقها، فلا تعد تصويباً للتعامل المصرفي. إلا أنها ضرورية لتسهيل عملية توفير الأرقام وتنظيم عمليات التحويل المالي بين الأفراد.