“مافيا أمراء الحرب” تبتزّ الحاكم بالإغتيال… المعنوي!
المصدر: ليبانون ديبايت
يعيش لبنان منذ العام 1990 حتى يومنا هذا، في ظل حكم “مافيا أمراء الحرب”. عندما تخاصموا وتقاتلوا دمّروا البلد، وبعدما تصالحوا، أساؤوا إدارته ونهبوا مؤسّساته وحوّلوه إلى مزرعة. لكن جميعهم، انتقلوا إلى نادي الأثرياء وأصحاب الملايين، وبعضهم ارتقى إلى نادي أصحاب المليارات (فريش دولار طبعاً).
يعرف اللبنانيون ونعرف، أعضاء “مافيا أمراء الحرب” “حلّة ونَسَب”، كما نعرف تاريخهم وبلداتهم والمنازل التي ترعرعوا فيها وأملاك عائلاتهم، إذا وُجدت. فمن أين لهم كل الثروات، إن لم يكن من سرقة المال العام وصرف النفوذ وإساءة استخدام السلطة؟
أوصلت السياسات المالية ـ الإقتصادية الخاطئة لهذه “المافيا” التي تحكّمت بكل مفاصل القرار، لبنان واللبنانيين، إلى الوضع الحالي، فوقعت الكارثة وأصبح الإنهيار حقيقةً نعيشها يومياً.
وحدها هذه “المافيا”، ترفض الإقرار بأنها مسؤولة عن الذي أصابنا من أزمات، ولا تزال ترمي بالتبعات كاملة على الجميع، بدءً بحاكم مصرف لبنان، والمصارف، وحتى المودعين أنفسهم، وتحيّد نفسها عن أية مسؤولية.
وإزاء هذا الواقع “الكارثي”، يطرح المواطن، كما المراقب من بعيد، جملة أسئلة مشروعة: ألم تترك هذه “المافيا” حدود لبنان مشرّعة لدخول أكثر من مليون لاجئ سوري، الأمر الذي أدّى إلى خسائر جسيمة أصابت الإقتصاد اللبناني، تقدّر بمليارات الدولارات سنوياً، منذ العام 2001 إلى اليوم؟
ألم تترك هذه “المافيا” البلاد، من دون موازنات عامة لسنوات، والموازنات القليلة التي أنجزتها، حملت كلها عجزاً مالياً كبيراً فاق ال 5 مليارات دولار في موازنة عام 2019 فقط، وهو عجز خيالي بالنسبة لحجم الإقتصاد اللبناني؟
ألم تعجز هذه “المافيا” عن ردع نفسها عن السرقة في أكثر من مجال ومؤسّسة رسمية، مثل قطاع الطاقة والكهرباء إضافة إلى صناديق الهدر والمزاريب، ما كلّف اللبنانيين مليارات الدولارات على مدى ثلاثين عاماً؟
ألم تتجاهل هذه “المافيا” كل التحذيرات الصادرة عن المؤسّسات المالية الدولية منذ العام 2011، والتي حذّرت ونبّهت من استمرار السياسات “الخاطئة”، ونصحت بضرورة تصحيح المسار المالي، كما أهملت التحذيرات الدورية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، إلى كل المسؤولين، ودعوته لتدارك الأسوأ الآتي وبشكل فوري ومن دون تأجيل؟
ألم تتخلّف هذه “المافيا” عن الإلتزام بالوعود التي أطلقتها للدول المانحة، وكان آخرها في مؤتمر “سيدر”، للقيام بإصلاحات عاجلة لتصفير عجز الموازنة؟
ألم تحشو هذه “المافيا” إدارات الدولة بالأزلام، ثم عمدت، لاحقاً ولدوافع سياسية، إلى إقرار سلسلة الرتب والرواتب وفق أرقام مغلوطة صادرة عن وزارة المال، وقامت بتوظيف الآلاف ولأسباب إنتخابية، وأدخلت أكثر من 5000 شخصاً خلافاً للقوانين إلى الإدارات الرسمية؟
ألم تدمّر هذه “المافيا” كافة القطاعات الإقتصادية الإنتاجية (سياحة، زراعة، صناعة) محوِّلةً لبنان إلى دولة رَيعية؟
كانت هذه “المافيا” تعلم إلى أين تجرّ اللبنانيين، لكنها استمرّت في سياساتها عن سابق تصوّر وتصميم،
غير مكترثة بتدمير البلد، وذلك حفاظاً على مصالحها ومكتسباتها.
في المقابل، من الخطأ القول من قبل هذه “المافيا”، أن إمكانية إعادة إطلاق العجلة الإقتصادية وتصحيح المسار المالي
الخاطئ وإعادة أموال المودعين، عملية مستحيلة. ولكن هذا المسار، يتطلّب رجال دولة مسؤولين،
وليس أعضاءً في “مافيا”. وتبدأ الخطوات الأولية بتشكيل حكومة تتبنّى مشروعاً إنقاذياً،
على أن يتزامن مع اتفاق سريع مع صندوق النقد، وإطلاق مفاوضات مع الدائنين الذين تخلّفت الدولة عن سداد ديونهم،
وذلك، بهدف إعادة لبنان إلى الخارطة المالية الدولية.
ولكن ما هي الخطوات التي تقوم بها هذه “المافيا” اليوم للخروج من الأزمة؟ الجواب بسيط:
لا شيء. لا بلّ غرقت ومنذ أكثر من عشرة أشهر في الخلافات على تقاسم الحصص داخل الحكومة،
ومن دون الإهتمام أو الإلتفات إلى خطورة الوضع الحالي وتداعياته على وجود ومستقبل لبنان،
وما شهده اللبنانيون، في الجلسة النيابية الأخيرة، هو خير دليل على أن أعضاء “المافيا”،
يعيشون في عالم منفصل عن الواقع، وأولوياتهم في مكان، وهموم الناس في مكان مختلف كلياً.
وفي ظل انسداد الأفق الحكومي، وتخلّي من يُفترض أن يكون مسؤولاً عن مهامه، لم يبقَ سوى ملف واحد على الطاولة،
وهو ملف دعم المواد الأساسية والمحروقات والأدوية. إن رفع الدعم سيفجّر البلد،
والإبقاء عليه سيقضي على الإحتياطي المتبقّي لدى المصرف المركزي،
وعلى كل الآمال بإعادة أموال المودعين ونهوض القطاع المصرفي.
رئاسة الجمهورية و”حزب الله”، يريدان الإبقاء على الدعم بغضّ النظر عن نتائجه،
الأول لا يريد أن ينفجر الشارع بوجهه قبل نهاية العهد والقضاء، بالتالي، على ما تبقى من تياره،
والثاني يجد الفرصة مناسبة، لإعادة إحياء مشروعه بتدمير المنظومة المصرفية الحالية،
واستبدالها بخمسة مصارف جديدة يكون له اليد الطولى فيها، مع العلم أن الإستمرار بالدعم،
يشكّل عنصراً أساسياً في استراتيجيته الإقليمية لدعم نظام بشار الأسد من خلال عمليات التهريب.
وفي المقابل، تعارض جمعية المصارف و”القوات” و”المستقبل” والإشتراكي الإستمرار بالدعم،
منطلقين من أجندات تضع مصالحهم السياسية والمالية فوق كل اعتبار، وليس حرصاً على ما تبقى من أموال المودعين.
وبين هذين الفريقين، يقف حاكم مصرف لبنان، والذي وجد نفسه ممسكاً ب”زر تفجير” البلد ونفسه أيضاً،
في حال رفع الدعم، أو الدخول في مواجهة مع الفريق الذي لطالما اعتُبر داعماً له في حال الإبقاء عليه.
وانطلاقاً من هذا الصراع على ملف الدعم، يمكن تفسير سبب الهجمة الشرسة على سلامة،
وخاصة اختلاق الملفات القضائية، مضافاً إليها مطبخ إعلامي يُفبرك الأخبار وينشرها لابتزازه
والضغط على عائلته والمقرّبين منه، بهدف إخضاعه وإجباره على السير بالتوجّه الذي يريدونه في موضوع الدعم،
وإلاّ، نجد في المقابل عملية رفع غطاء مقنّعة عنه، لإيصال رسالة مفادها “إرفع الدعم أو واجه منفرداً”.
ويبقى أنه للهجمة على سلامة بعدٌ آخر، فهذه المافيا الحاكمة تريد منه أن يكون شمّاعةً،
يحمل عنها أخطاءها المتمادية التي أوصلت البلد إلى الإنهيار الكامل،
وما يتعرّض الحاكم من اغتيال معنوي اليوم، ليس سوى مقدّمة لتقديمه في المستقبل ك”كبش فداء” عنها أمام الرأي العام.
وهنا لا بدّ من طرح السؤال، متى سيستفيق المسؤولون وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ميشال عون،
والرئيس المكلف سعد الحريري، وحكومة تصريف الاعمال، من سباتهم العميق ويتحمّلوا وزر الأمانة التي أولاهم إياها الشعب؟
لماذا تنازلوا عن مسؤولياتهم مسلّمين أمر البلد إلى حاكم المصرف المركزي؟
الم يعد في هذه الجمهورية رجال دولة بأكتاف عريضة، يقدمون مصالح البلد على مصالحهم ومصلحة حاشيتهم؟
بئس هذا الزمن الرديء، الذي يُحرق فيه بلد، فيما هناك أكثر من نيرون، جالس في عليائه يستمتع بزفير النار.