قرار قد يعيد إحياء معركة توزيع الخسائر: مَن يحدّد سعر الليرة؟
المصدر: الاخبار
كتب محمد وهبة في” الاخبار”: ثمة الكثير من الاحتمالات التي يمكن أن تكون حقيقية، لكن الثابت بينها أن القرار – وبمعزل عن هويته السياسية أو مراعاته لمصلحة ما على أخرى – يثير أسئلة تعيد فتح النقاش في مسائل أساسية: هل من الجائز أن يخضع المودعون للهيركات أو لاقتطاع من ودائعهم من دون صدور قانون في مجلس النواب أو خطة ما من الحكومة؟ هل ما يقوم به مصرف لبنان هو السلوك الصائب لإدارة الانهيار وتوزيع الخسائر؟ هل يفترض أن يحصل المودعون على ودائعهم بالدولار النقدي أو بأي وسيلة يرتضون بها؟ هل يجب إفلاس المصارف التي لا تتمكن من أن ترد المال المسلم لها أو يماثله قيمة؟ هل يحق لمصرف لبنان الانفراد بإطفاء الخسائر بشكل يؤدي إلى تضخّم الأسعار بشكل جنوني ويغذّي ضعف الليرة لتنخفض قيمة المدخرات بشكل متواصل؟ أليس هناك تواطؤ بين مصرف لبنان و«نواب المصرف» و«وزراء المصرف» ورؤساء الكتل السياسية أيضاً؟
محور كل هذه الأسئلة هو قيمة الليرة وسعرها في السوق. سعر الليرة يحدّد عملية توزيع الخسائر، وتطبيق قانون النقد والتسليف وقانون الموجبات والعقود (المواد 701 و702 التي تلزم المصرف بتسليم الوديعة إلى المودع عند الطلب ومن دون تحديد ماهيتها، سواء كانت مبالغ مالية أم أسهماً أو ذهباً…) وسواها، ستكون مبنية على سعر الليرة. النتائج المترتبة على تسعير الليرة تحدّد من سيدفع ثمناً أكثر أو أقل في عملية توزيع الخسائر، وبالتالي تنطوي على نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية.
لذا، من الواضح أن قرار مجلس شورى الدولة تبنّى فكرة أن تسعير الليرة يجب أن يصدر بقانون في مجلس النواب. فهو اعتبر أن التعميم المطعون فيه، يشكّل تجاوزاً لحدّ السلطة وتعدياً على الصلاحيات التشريعية. فالليرة اللبنانية كانت مسعّرة بالذهب عندما كان بنك الإصدار مشتركاً بين لبنان وسوريا، لكن في المرحلة الانتقالية بعد الانفصال بينهما، نصّت المادة 229 من قانون النقد والتسليف على تحديد سعر انتقالي لليرة «أقرب ما يكون إلى سعر السوق»… ومن وقتها لم يحدّد مجلس النواب سعر الليرة، وهو ما يثير التساؤل عن تسعير الليرة على أساس 3900 ليرة، وتخيير المودعين بين سحبها على هذا السعر أو على سعر 1500 ليرة
وإذا أصرّ القاضي فادي الياس على موقفه بشأن هذا الأمر، أي تسعير الليرة من قبل مجلس النواب، فإن مجلس النواب، سيكون أمام معضلة حقيقية تدخل في صلب الانهيار. فكل قرار سيرتّب نتائج نقدية ومالية واقتصادية واجتماعية، تدخل فيها حسابات الربح والخسارة لشرائح مختلفة، هذا طبعاً عدا عن الإحراج السياسي.
ثمة مشكلة ثانية تتعلق بالخطوة التالية التي سيقوم بها مصرف لبنان.
فهو عندما ردّ على الطعن المقدّم ضد التعميم الصادر عنه، تذرّع بأن السلامة العامة هي المحرّك الأساسي الذي دفعه
إلى إصدار التعميم. وهذا الأمر يثير سؤالاً أساسياً: أيّهما يحمي السلامة العامة، دفع الودائع على سعر 3900 ليرة،
أم تسديدها بالدولار النقدي، أم تسديدها بسعر السوق؟
قد يتذرّع سلامة بعملية تكسير الصرافات الآلية من أجل الطعن في القرار ودفع مجلس شورى الدولة للعودة عنه،
لكن الأولى به إعلان إفلاس المصارف التي لا تتمكن من تسديد الودائع. فالمصارف لم تخسر قرشاً واحداً منذ بداية الأزمة،
بل كانت تحصل على إيرادات مالية متواصلة من المال العام، سواء من فوائد سندات الخزينة،
أم من شهادات الإيداع لدى مصرف لبنان ومن ودائعها لدى مصرف لبنان أيضاً.
هذه الإيرادات كانت كبيرة بما يكفي لتمويل ما يترتب من مؤونات عليها لتغطية خسائر الملاءة المالية.
حساب الأرباح كان يموّل عجز السيولة الذي وقعت فيه. هذا العجز يعني إفلاسها. الإفلاس يعني توزيع الخسائر.
فمن سيدفع الثمن؟ من يحدّد أي جهة ستدفع ثمناً أكثر من غيرها؟ مصرف لبنان انفرد بهذا الأمر،
وقرّر أن يدفع صغار المودعين والغالبية الساحقة من القوى العاملة والمؤسسات الصغيرة،
كما حدّد تقرير البنك الدولي الأخير، ثمناً غالياً عبر اقتطاع موارب من الودائع،
وشطب سوقي للأصول يتحكم فيه الأكبر والأكثر قدرة، وترك الأسعار في مهب التضخّم الحرّ الذي يأكل الأجور والرواتب.