اللبنانيون يبيعون الذهب.. وخبير يقدّم نصيحتين
المصدر: نداء الوطن
“خبّي قرشك الأبيض ليومك الأسود” مثل شعبي تداولته الأجيال المتعاقبة وهو خلاصة حكمة الأجداد في جدوى الإدخار لمواجهة الأزمات العصيبة المحتملة. وعلى هذه القاعدة عمل العديد من اللبنانيين على ادخار أموالهم في المصارف التي حجزت عليها مع بداية الأزمة أو على شراء ليرات ذهب وتكديسها أو الاستثمار في العقارات والتي باتت موضة اليوم لاستثمار آمن وكحجة لإخراج الأموال المحجوز عليها في المصارف.
مع تزايد الأيام سواداً في لبنان واشتداد الازمة على المواطنين الذين انخفضت قدرتهم الشرائية بعد الانهيار الدراماتيكي لقيمة عملتهم الوطنية وسط تحليق لسعر صرف دولار السوق الموازية الذي عاد ليتخطى حاجز الـ 13 الف ليرة، والذي انعكس ارتفاعاً بأسعار السلع كافة لا سيما الأساسية منها، أصبح بيع الذهب خياراً مرّاً لا بدّ منه. ففي معرض سيرنا نحو الكوارث التي تنذر بمستقبل أسوأ، مجهول الأفق والحلول، يحاول من يملك بعض المدخرات التصرف بها قدر المستطاع للصمود في وجه أزمة البطالة والفقر والتضخم، بانتظار تحسّن الوضع أو “زودة” غلاء معيشة قد تنقذه من مصيبته.
وفي جولة على محال الصاغة والمجوهرات في أسواق الذهب في كل من برج حمود وسد البوشرية والزلقا، نجد واجهات محلات ذهب شبه فارغة مصحوبة ببوابة حديد وأخرى زجاج محكمة الاقفال لا يفتحها أصحابها قبل التأكد من هوية الشخص الساعي الى دخول المحلّ، فيما عمدت محلات أخرى الى تركيب واجهة زجاج داخلية تحيط بمكتب صاحب المحل وبمعرض الذهب تتوسطها نافذة صغيرة تسمح بتقاضي المال أو تسليم الصيغة.
وفي دردشات مع أصحاب هذه المحلات، كشف بائعو الصيغة لـ “نداء الوطن” انه “مع بداية ثورة 17 تشرين 2019 ازداد الطلب على الذهب حيث تضاعفت المبيعات بنحو 3 أضعاف عما كانت عليه في وقت سابق على مختلف الأنواع أكانت صيغة او ليرات، حيث وجد الناس في الذهب ملاذاً آمنا أكثر من الليرة وربما من الدولار بحسب البعض، ووسيلة لإخراج الأموال المحجوز عليها في المصارف.
كما قام بعض أصحاب محلات الصيغة الكبيرة بقبول الشيك المصرفي في بداية الأزمة لسد ديونهم المصرفية أيضا. أما اليوم وبعد عامين من توغّل الازمة، أصبح اللبنانيون يلجأون إلى بيع الذهب بدل شرائه بحثاً عن سيولة تسمح لهم بتأمين أبسط متطلبات العيش الكريم وتسد لهم الهوة الواقعة بين رواتبهم المتواضعة وغير الكافية مقارنة مع الوضع الحالي وأسعار السلع النارية”، معلّقين بالقول “الافراد يبيعون الذهب مقابل الحصول على المال لشراء مواد غذائية!”.
ويشرح البائعون أن “نسبة بيع الذهب تتراوح بين 80 و 95% حيث أنّ نسبة الشراء لا تتعدى الـ20%، ومعظم البائعين يتقاضون بدل صيغتهم “فراش دولار” أو ليرة وفق سعر السوق السوداء، اما من يضطر إلى شراء هدية لمولود جديد أو لأي مناسبة اجتماعية أخرى كعرس أو خطبة فيسعى إلى تبديل قطعة بأخرى، ومعظم الحركة تدور حول تصليح ساعات أو شراء قطع صغيرة ذات قيمة بسيطة تناسب جيبة المواطن”، لافتين إلى أنّ “قلّة الحركة وتراجع الطلب أديا إلى “ضبّ” البضاعة في الخزنة وعدم عرضها توفيراً للوقت، فعرض البضاعة صباحاً و”ضبها” مساء يحتاج الى نحو ساعة ونصف”، مضيفين “لشو؟ وجع قلب عالفاضي”.
ولدى سؤالنا عن سبب إقفال معظم المحلات أبوابها بدءاً من الساعة الخامسة مساء يجيب البائعون أنّ “نسبة السرقات
ارتفعت والأمان انعدم، وبما انّ الطلب تراجع ولا حركة في السوق نفضّل إقفال أبوابنا باكراً وعدم
عرض قطع ثمينة خوفا من محاولات السطو والسرقة حيث تمت سرقة أكثر من محلّ ذهب في الآونة الأخيرة في منطقة المزرعة والبربير وبرج حمود، وفي بعض الشوارع لا وجود لشرطة بلدية تحمينا ولم يعد صاحب المحل قادراً على دفع أجرة موظف ليحرس له محله”.
“حتى أنّ معظم التجار سحبوا الذهب الموضوع في الأمانة في المحلات خوفا من الوضع”، يضيف هؤلاء، وعن الطريقة التي يؤمّنون الدولار بها يقولون إن “رأسمال صاحب محل الذهب هو في بضاعته لحسن الحظ، إلا أن التجار الكبار وضعوا جزءاً كبيراً من أموالهم في المصارف للأسف وحجز عليها، أما القسم الآخر فيقوم ببيع الذهب لبعض المصانع التي بدورها تصدّره إلى الخارج أو تذوبه وتعيد صناعته”.
وفي معرض تفسير دلالة ظاهرة بيع الذهب قال المستشار المتخصص في مجالي الاستراتيجية والقيادة جيلبير
ضومط لـ”نداء الوطن” إنّ ” تلك الظاهرة مؤشر خطير جداً، وهي مرتبطة بالأفراد التي بدأت مدخراتهم تنعدم والذين يبحثون
عن تأمين الحد الأدنى من المعيشة”، مؤكدا انّه “من المستحيل أن يبيع أي شخص مدخراته من الذهب لتجميع الدولار،
فشراء الذهب هو عادة وتقليد شبه مقدس لدى اللبنانيين لطالما كان الملاذ الآمن للبنانيين
ومصدر راحة البال الأول فكيف يبيع المواطن ذهبه لشراء الدولار؟
ان دلت هذه الظاهرة على شيء فهو انّ الناس اضطروا للجوء الى آخر درع حماية من المخاطر الاجتماعية والاقتصادية
التي يواجهونها واستخدامها قبل الانهيار التام وبالتالي المواطنون لم يعودوا قادرين على الصمود
أكثر في وجه الازمة وبهذا نكون اقتربنا من مرحلة الخطر الحقيقي”.
ويشير ضومط إلى أنّه “منذ اندلاع الازمة وحتى اليوم لم تظهر إشارات الفقر بشكل واضح وفعلي لأن الناس
كانت لا تزال قادرة على الصمود ولو بالحد الأدنى، فالمجتمعات التي تنحدر نحو الفقر عادة ما تأخذ بعض الوقت للوصول
إلى القعر لأن الأفراد يكونون قد ادخروا بعض الأموال ولا يزالون قادرين على الاستمرار في تأمين حاجاتهم
أو يسحبون أموالهم من المصارف على سعر الـ 3900، أما بيع الذهب فيشير إلى أنّ أموال الناس في المصارف ومدخراتها صرفت”.
ويوضح ضومط أنه “في عالم الاقتصاد هناك قاعدة يلجأ اليها الافراد لحماية أنفسهم وسط الازمات
وهي قاعدة 30/30/30، تنطبق على الطبقة المتوسطة المتدنية والمتوسطة والمتوسطة العليا حيث
يوفّر الفرد 30% من أمواله كاش بالدولار لتأمين الحد الأدنى لاستقرار حياته، و30 للادخار و30% للاستثمار “.
ويفصّل هذه القاعدة على الشكل التالي “من الضروري إبقاء الكاش بالدولار وسط تدني خدمات الدولة لتأمين
خدمات جيدة وللمحافظة على مستوى اجتماعي مقبول، أمّا الادخار لمن يستطيع إليه
سبيلا فيجب أن يتم عبر شراء الذهب أو سلع ذات قيمة ثابتة نستطيع بيعها أو عبر إبقاء الأموال في المصارف
ريثما يتحسن الوضع في ما بعد والاستثمار قد يكون باسهم أو عملات رقمية أو عقارات”.
وعن الأموال في المصارف يقول إنّ “خياراتها محدودة، والاحتمال الأعلى أنها لن تعود إلى أصحابها حيث
أنّ مصرف لبنان سيستخدم الاحتياطي الالزامي الذي من المفروض أن يكون الضمانة للودائع الصغرى،
كما أنّ قيمة الأموال في المصارف انخفضت 4 مرات ليفقد الشيك المصرفي 75% من قيمته في السوق،
وبالتالي هناك من يفضل المراهنة على أمواله وابقائها في المصارف على أمل أن يتغير الوضع بعد 7 او 10 سنوات
وهناك من يفضل إخراجها وشراء سلع ذات قيمة من خلالها، والبعض الآخر يفضل تصفية أمواله بالدولار”.
وعن النصيحة التي يعطيها للمواطنين يقول “النصيحة تعطى وفق معايير الافراد وما يملكون
من أموال في المصارف وحجم ادخاراتهم ومدخولهم الشهري وبالتالي تنقسم إلى قسمين:
– القسم الأول: إذا كانت الادخارات قليلة والوظيفة معرّضة للخطر يجب على المودعين
إبقاء أموالهم في المصارف والصرف منها وعدم إخراجها والمخاطرة بها.
– القسم الثاني: أما من يملك مدخرات ووضعه المادي جيد فبإمكانه تقسيم أمواله بين إبقاء جزء في البنوك وشراء سلع ذات قيمة.
في المحصّلة أصبح واضحاً أنّ الازمة أنهكت اللبنانيين بأقلّ من سنتين واستنزفت مدخراتهم وجنى عمرهم
لتعريهم من أي ضمانة للمستقبل،
واجبرتهم على بيع آخر وسيلة أمان وحماية يملكونها للصمود لتأمين متطلبات حياتهم اليومية والعيش بكرامة،
لتصبح معادلة الذهب مقابل الطعام هي شعار المرحلة المقبلة، فماذا ينتظرنا في الأيام المقبلة؟
وهل الأسوأ قادم أم أنّ لا أسوأ مما نعيشه اليوم؟